رغم عصر العولمة الذي يغزو عالم الأرض بكل مقاييسه من جهة، والمبادئ والتشريعات التي بتنا نغلق بها أذهاننا وتفكيرنا وأعيننا عنها متمنين أن تكون كابوساً ينتهي مع أول إشراقة شمس من جهة أخرى.
إلا أنه في الوقت نفسه نرى هذه الدول ذات التطوير والتحديث المستمر، بقدر ما أمكنها تبقى محافظة على بعض العادات والتقاليد، مترجمة بالاحتفالات الموسمية، الأعياد والمناسبات الدينية الاجتماعية، الشعبية والوطنية.
وفي المقابل نحن هنا لا نقوم فقط بالمحافظة على هذه التقاليد وإنما أيضاً بعرضها بأهم وسيلة إعلامية الوسيلة التي تدخل كل بيت من دون استئذان ويشاهدها الصغير قبل الكبير. اعذروني فالأمر لا يحتمل الكثير من التمهيد والدبلوماسية، فالكلام صراحة عن البرنامج البحريني النموذجي الذي يمكن أن ينتظره البحرينيون خلال الشهر الفضيل وهو «مسلسل طفاش». فلن أتكلم عن الرسائل السخيفة والمغرضة التي يحويها هذا البرنامج ولكن أريد مبرراً من القائمين عليه أو المعنيين في التصريح لبثه: «ما هي الرسالة غير المعلنة المراد إرسالها للمشاهد لابن هذه الأرض الطيبة، والضيف المقيم الذي يقصد هذه البلد، وشبابنا وصغارنا؟».
باعتبار أن الرسالة المعلنة والتي تسيء لنا جميعاً والمتمثلة بما نشاهده من الألفاظ البذيئة، التصرفات المقرفة، والمهاترات الممزوجة بالسخرية والصراخ والشتائم لأبطال المسلسل، الأول ضحل والثاني غبي معتوه. هذا ولا ننسى الجانب المذهبي الواضح الذي يثيره المسلسل من خلال شخصية كل من الحلاق والخضار. وهل يعقل أن يتحول السبب الرئيس لسعادتهما هو حبك المكائد كل واحد منهما للطرف الآخر؟ وغير المشعوذة والعرافة والأسحار وتفاهة التفكير للسيدات!!
فأنا لا أحمل العتب على القائمين على منتجي المسلسل وبثه وحسب، وإنما عتبي الأكبر على أجدادنا وجداتنا لأنهم زرعوا برؤوسنا وهماً كبيراً بأن أهالي الزمن الأول كانت تجمعهم الكلمة الطيبة والمشاعر الصادقة وأنهم لا يعرفون الفرق بين سني وشيعي وحتى مسيحي. قلوب الناس مفتوحة قبل أبوابها. بالرغم من البساطة التي تساورهم، إلا أنهم أناس مثقفون لديهم انفتاح فكري، وقفوا صفاً بصف ويداً بيد في وجه الاستعمار الإنجليزي. هتفوا جميعاً عبد الناصر.
أليس الجيل الأول والذي تفنن هذا البرنامج بالاستخفاف من قدراته هو من دفع آباءنا، أعمامنا وأخوالنا بالدراسة لكي نجد الأطباء والمهندسين والمحامين، عدا عن الشعراء والكتاب والأدباء في يومنا هذا!
أين هم الغيورون على مصلحة هذا البلد في نشر ثقافة هدامة موبوءة، أهذا ما يُراد أن نفهمه لأبنائنا جيل المستقبل؟! أتريدونهم ان يستعروا من ماضي أجدادهم؟ ان يطأوا رأسهم ويشعرون بالفشل كما نشعر تماماً نحن عندما نشاهد حلقات هذا البرنامج السخيف. ويحمدون الله في قلوبهم أنهم لا ينتمون للزمن الذي يشاهدونه.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يمكن أن يصل الإغفال عن فئة الشباب البحريني المبدع وطاقاتهم المتعددة وحصرها فقط بشخصيات الممثلين في هذا المسلسل الذين سئمنا تواجدهم كل عام! فأنا لا أكتب فقط باسمي وإنما باسم كل مواطن غيور على تراب هذه الأرض الطيبة ويعنيه ماضيها مثلما يكترث لمستقبلها.
ودمتم سالمين يا أبناء هذا البلد العزيز والأمة الإسلامية جميعاً بألف خير وسلام بمناسبة عيد الفطر السعيد..