رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران وإعادتها إلى الحياة لا يزعج دول مجلس التعاون، وتحقيق إيران مكاسب من الاتفاق النووي يدفع هذه الدول لتقديم التهاني لهذه الجارة مصحوبة بدعوات التوفيق، لكن دول المجلس تتمنى أيضاً ألا يكون هذا بداية مرحلة أذى جديدة لها بسبب سوء استغلال إيران للمستجدات وإحساسها أنها تحولت إلى دولة قوية بعقدها كل هذه الاتفاقات مع الغرب، والتي لا يستبعد أن يكون بينها اتفاق سري يوفر لها ما يعينها على تحقيق حلمها القديم بتسيد المنطقة.
دول مجلس التعاون كلها ومن دون استثناء تتمنى لإيران كل الخير وليس بينها من ترغب في معاداتها، واستقرار إيران وتحسن أحوالها الاقتصادية من شأنه أن يصب في صالح المنطقة، أو هكذا يفترض، فيكون سبباً في استقرارها. كل ما تريده دول التعاون من إيران هو أن تتحرر من تلك الأفكار السالبة التي ظلت مسيطرة عليها طوال العقود الأربعة الأخيرة فتنتبه إلى نفسها لتعيش وتدع غيرها يعيش.
هذا باختصار ما تريده دول التعاون من إيران، عدا هذا فلتفعل ما يحلو لها. ولكن؛ هل تستطيع إيران أن تمنع نفسها عن ذلك الحلم الذي لولاه لتحولت خلال الثلاثين سنة ونيف الماضيات إلى دولة متقدمة ولكانت سبباً في الارتقاء بكامل المنطقة؟ هذا السؤال تحديداً يختصر هاجس دول التعاون، فهي تدرك أن «بوطبيع ما يجوز عن طبعه»، وللأسف فإن ما تطبعت عليه إيران يصعب أن تقلع عنه، ولهذا السبب يصعب على دول التعاون أيضاً أن تزيل هذا الهاجس عنها، لذلك فإنها تظل تتوجس من إيران مهما فعلت ومهما حاول مسؤولوها طمأنة دول التعاون بتصريحاتهم التي لم يجد كثير منها من قبل ترجمة على أرض الواقع.
هذا يعني أن على إيران الآن أن توفر ما يلزم من أدلة على أنها ستكون «أليفة» ومتعاونة مع جيرانها وغير راعية للإرهاب أو داعمة للجماعات المتطرفة، فهذا من شأنه أن يوجد الثقة التي إن توفرت توفر معها استقرار المنطقة برمتها، كما إن على دول الغرب أيضاً أن توفر ما يلزم من أدلة على أن علاقتها الجديدة مع إيران لن تؤثر على التزاماتها تجاه المنطقة ودولها، ولن تخون.
في كل الأحوال مشكلة دول مجلس التعاون ليست مع الغرب ولكن مع إيران التي أعلنت بعد ساعات قليلة من توقيع الاتفاق النووي عن زيادة ميزانيتها العسكرية بنسبة 30% خلال السنوات الستة القادمة، وقد تعلن عن قرارات أخرى تدفع دول التعاون إلى الارتياب والتشكيك في أنها عادت إلى رشدها.
الاعتقاد بأن إيران انتقلت تلقائياً بسبب الاتفاق النووي من خانة رعاة الإرهاب إلى خانة الاعتدال اعتقاد خاطئ ويعبر عن سذاجة لأنه ببساطة إيران لا تستطيع أن تتخلى عمن ظلت تدعمهم لسنوات وترعاهم في سوريا والعراق ولبنان واليمن وغيرها من الدول، فتحررها من التزاماتها تجاه بشار الأسد مثلاً من شأنه أن يدخلها ويدخل المنطقة في حال جديدة تختلط فيها الأمور، والأمر نفسه يمكن أن يحدث لو توقفت عن دعم من تدعمه حالياً في العراق واليمن ولبنان وغزة.
هذا أمر لا يمكن أن يحدث لأنه غير منطقي، وبالتالي فإن المنطقي هو أن تتريث دول مجلس التعاون قليلاً فلا تنخرط في وضع جديد يسوده الغموض، خصوصاً وأنها ليست على اطلاع على تفاصيل الاتفاق وأبعاده، لا بأس أن تبارك للجميع، ولا بأس أن تعبر عن فرحتها وسعادتها وأمنياتها بهذه المناسبة وترسل التهاني وباقات الورد لإيران والغرب وتجامل، ولكن لا بد أن تتريث حتى ينجلي الغبار فترى ما يدور في الساحة بشكل أوضح.