مصطلح «الشيطان الأكبر» أطلقه مؤيدو الخميني وبمباركة منه عند اندلاع الثورة الإسلامية الشيعية في إيران عام 1979، أطلقوه على الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت لها «يد طولى» في تغيير نظام الشاه الإيراني، لأن الأخير لم يعد يعمل بنفس «الموجة» التي يريد الأمريكان برمجته عليها.
لكن بمجرد وصول الخميني طهران انقلب على الأمريكان أنفسهم، ونعتهم بالشياطين وهاجم سفارتهم وحوصرت عناصر منهم، اضطرت معها واشنطن للجوء لأسلوب مخابراتي سينمائي مبتكر لإجلاء موظفي السفارة، وبمعاونة «الإخوة الأعداء» الكنديين. ويمكن لمن يريد معرفة التفاصيل بشكل «درامي ممتع» لا عبر قراءة سطور في كتب التاريخ الرجوع لفيلم «أرغو» للممثل «بن أفليك».
عموماً، بعد سنوات من القطيعة والحرب الظاهرة والخفية، والتشدد في عهد الخميني، يبدو أن حكم الخامنئي خليفته اختلف في ما يتعلق بالنظرة للغرب، وبالأخص الأمريكان.
هنا من المهم أن نشير للخامنئي على أنه صاحب ثاني أطول مدة «حكم لبلد» بعد حكم الملكة إليزابيث الثانية لبريطانيا والذي يصل إلى 63 سنة، إذ الخامنئي على رأس الأمور في إيران لمدة 34 عاماً، إذ في الفترة من 1981 إلى عام 1989 كان رئيساً للجمهورية يعمل تحت إمرة المرشد الخميني، والأخير يمتلك الحق الدستوري الذي يمنحه سلطة «عزل» رئيس الدولة، وثم في عام 1989 تولى منصب المرشد الأعلى إثر وفاة الخميني وهو منصب يشغله حتى اليوم، مع التذكير بتلك المادة الدستورية التي تمنحه حق عزل الرئيس وقتما يشاء، حتى لو كان منتخباً من الشعب بنسبة 100%.
الخامنئي لم يكن بذاك التشدد مع الولايات المتحدة، رغم أنه ظل يردد نفس الوصف الذي وصفها به الخميني، أي «الشيطان الأكبر»، وفي لعبة السياسة وبالتحديد المصالح لا تهم «النعوت» ولا «الأوصاف» ولا حتى «الشتائم المعلنة» التي يتلقفها الإعلام، بقدر ما تهم مخرجات أية «صفقة»!
ورغم المفارقة بأن الخامنئي نفسه هو صاحب فتوى يقول فيها: «إن إنتاج، وتخزين واستخدام الأسلحة النووية في الإسلام ممنوع»، بحسب ما نشرته صحيفة «واشنطن بوست» لمحررها السياسي في 27 نوفمبر 2013، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أشار لهذه الفتوى بعد اتصال بالرئيس الإيراني روحاني في 27 سبتمبر 2013، والنص موجود على موقع البيت الأبيض، نقول، رغم المفارقة بوجود الفتوى لكن إيران اليوم هي أسعد دولة بالاتفاق الذي عقدته مع الولايات المتحدة، بحيث تمضي في مشروعها النووي كما تريد، ومحدود التفكير هو من يظن بأن الاتفاق يضع قيوداً على الإنتاج ويمنع طهران من إنتاج القنابل النووية.
ولأن الرئيس الأمريكي انتصر مؤخراً لحقوق «المثليين»، يبدو سعيداً اليوم بالاتفاق مع الإيرانيين، لدرجة أنه نسي «فورة غضب» الإسرائيليين وهم الذين لو قررت الولايات المتحدة التخلي عنهم للحظة لنسفوها بلا قنابل نووية، فالاقتصاد الأمريكي بيد أقطاب المال اليهود، الإعلام نفسه مسيطر عليه تماماً، وحتى من يصل البيت الأبيض من الاستحالة أن يصل دون موافقة من ولائهم الأول لإسرائيل، والدليل سهل الحصول عليه، فقط ابحثوا عن صور الرؤساء الأمريكيين «المنتخبين» وهم يذهبون لزيارة «حائط المبكى».
عموماً، عشرات التحليلات نشرت عن هذا الاتفاق، وافتراضات وسيناريوهات وغيرها، لكن ما يعنينا نحن كدول خليجية وعربية يرتبط بشيء واحد، ما هو التأثير لهذا «الزواج» الإيراني الأمريكي علينا، وما هي المخاطر التي قد تطالنا؟!
هنا يجب البحث عن «التماثل» بين النظام الإيراني والإدارة الأمريكية، التماثل كبير في ما يتعلق بمساعي السيطرة على الآخرين، وفي «دس الأنف» في شؤون دول أخرى، وصناعة إما طوابير خامسة أو أحزاب أو مؤسسات مدنية ولاؤها للخارج وليس الداخل، إضافة لممارسة الضغوط على الدول بشكل سافر، وأيضاً التقرب ومد جسور التعاون مع أعداء وكارهي تلك الدول، وواشنطن أكثر دولة تبرع في هذا الجانب، فهي تؤكد لك بأنك حليفها العزيز الحبيب الذي لا يمكن الاستغناء عنه، لكنها بعد أن تنهي المكالمة أو الاجتماع، تذهب لتتصل أو تزور وترمي بنفسها على عدوك وتشغل له نفس الأسطوانة.
كدول خليجية، وبالنسبة لنا في البحرين، ليست لدينا أطماع في دول شقيقة أو صديقة، لسنا نسعى لصناعة طوابير خامسة في أي دولة، لسنا نحن الذين ندس أنفنا في شؤون غيرنا، نحن مع الوحدة الخليجية العربية، ومع رفض الدسائس والممارسات.
وعليه هذا «التماثل» الأمريكي الإيراني، وهذا الزواج باسم «الاتفاق النووي» لا يواجه تداعياته الخطيرة إلا «اتحاد خليجي» يرسل رسالة واضحة لأي طامع أو مفكر بالتدخل في شؤوننا، بأن هناك قوة إقليمية أكبر من إيران، لديها القدرات العسكرية، والأموال، والنفط، وحتى القدرات النووية، والأسلحة المصنعة التي قد يتفاجأ بها الأمريكان ويهرعون لإعادة الحسبة من جديد.
بالتالي، خطوة التحرك ليست مطلوبة من الأمريكان «الشيطان الأكبر» أو الإيرانيين «الطامع الأكبر» أو غيرهم، بل من قبل دول الخليج العربي، المفروض استذكار دعوة الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، وإعلان قيام الاتحاد الخليجي في أقرب وقت ممكن.