من يتابع تصرفات البعض الذي يعتبر نفسه في «ثورة» ومعبراً عن «المعارضة» وممثلاً لها؛ يتأكد أن هذا البعض لايزال دون القدرة على استيعاب ما يدور حوله أو الاستفادة من تجربة السنوات الأربع الماضيات، وليس تعليق يافطات في بعض الشوارع تدعو إلى التحرك يوم 14 أغسطس والتوجه إلى حيث كان يقع ذلك الدوار ذات يوم إلا دليلاً على كل هذا، ودليلاً أيضاً على أن الشارع فلت من يد الجمعيات السياسية التي لم يعد لها أي قيمة، خصوصاً وأنها وصلت إلى مرحلة صار لا يقبل منها حتى النصح.
كل الظروف حولنا تغيرت؛ ولايزال هذا البعض يصر على تفكيره الضيق بالدعوة إلى التجمع في مكان لا يمكن أن ينتج إلا الفوضى والألم ولا يتحقق من التوجه إليه إلا الخسران. ترى أي عقل هذا الذي يفرط في عناصر يعتمد عليهم فقط من أجل القول إنهم وصلوا إلى ذلك المكان؟ هل يوجد مثال أوضح من هذا على مستوى التخلف العقلي الذي يعاني منه ذلك البعض؟ وهل يوجد مثال أوضح من هذا على ضعف الجمعيات السياسية وانتهاء دورها؟ ترى كيف للناس أن يثقوا في أفراد هذا هو مستوى تفكيرهم؟ وكيف لهم أن يثقوا في جمعيات سياسية لها تاريخها وهي لا تستطيع أن تقول لهذا البعض «كخ»؟
طبعاً اختيار يوم 14 أغسطس سببه هو أنه اليوم الذي حصلت فيه البحرين على استقلالها، والمراد من التحرك القول إن الاحتفال بذكرى الاستقلال يجب أن يكون في هذا اليوم وليس في يوم 16 ديسمبر الذي اعتمد منذ الاستقلال للاحتفال بهذه المناسبة، وهو تحرك يتكرر سنوياً ولا يعبر إلا عن «نحاسة» هذا البعض!
أقل من شهر يفصل بيننا وبين الرابع عشر من أغسطس، وقد بدأت حملة التحشيد والتعبئة لهذه الخطوة التي لا يمكن لعاقل أن يقول إنها يمكن أن تضيف مفيداً، ما يؤكد أن الهدف من العملية كلها هو نشر الفوضى وتوفير الأسباب لممارسة العنف، وهذا يعني أن هذا التحرك ليس إلا خطوة ضمن خطوات تم اعتمادها من قبل طرف يعمل تحت الأرض.
من هو هذا الطرف؛ وهل للأمر علاقة بالتصريحات الأخيرة التي صدرت عن عضو شورى إيراني ببدء الدخول في مرحلة الكفاح المسلح؟ وهل له علاقة بتصريحات مرشد الجمهورية الإيرانية الأخيرة عن استمرار التزام إيران بدعم الشعوب المظلومة، ومنها شعب البحرين؟ هذه أسئلة مهمة ينبغي توفير إجابات واضحة عنها، خصوصاً ونحن نرى ما يموج بالمنطقة من تغيرات وتحركات وأعمال عنف وفوضى لم يسبق لها مثيل.
منطقاً لا يمكن أن يكون هذا الذي يدعو إليه ما يسمى بائتلاف فبراير مجرد «تصنيفة»، ومنطقاً لا يمكن أن يكون قادته على الأقل على غير علم بخفايا الخطوة المطلوب منهم تنفيذها ويشحنون العامة لها. منطقاً أيضاً لا يمكن أن تكون التصريحات التي فلتت من رعاة «الشعوب المستضعفة والمظلومة» مجرد صدفة وتوارد خواطر. هناك أمر ما يتم الإعداد له، خطورته تزداد مع تبين ملامح أمر آخر يتم الإعداد له من قبل بعض آخر ينتهج العنف.
هل نحن على أبواب مرحلة لا تبقي ولا تذر؟ هل ستصير بلادنا نسخة من العراق وسوريا؟ هل ستتحول إلى ملعب يتبارى عليه هذان البعضان؟ وإذا بدأت هذه المباراة؛ فمتى يمكن أن تنتهي؟
المعطيات تنذر بشر مستطير، والواقع يؤكد أن الحال بعد قليل لن يكون كما هو الحال الآن، وهذا يعني أن على الأجهزة الأمنية دوراً غير عادي في هذه المرحلة، فأمن البلاد فوق كل الاعتبارات