لو كان العرب أقوياء بما فيه الكفاية لاستطاعوا فرض مشاريعهم على العالم، ولكانوا هم الأقوى في ترتيب أولويات المنطقة، وكان بإمكانهم أن يفرضوا شروطهم على الخصوم، لكنهم أضعف من أن يفعلوا ذلك، تحولت أفعالهم لردود أفعال تتسم بالضعف والتراجع والتراخي، وأحياناً تصل إلى الإذلال.
لو استطاع العرب استثمار ثرواتهم في الاتجاه الصحيح، ولو تمكنوا من خلال استثمار الثروات من بناء المصانع وإنتاج الأسلحة وإنشاء البنى التحتية العملاقة، لاستغنوا عن كل العالم، ولكانت دولنا العربية قبلة للدنيا، يقصدنا القاصي والداني، لكن، لأننا نستهلك ولا ننتج، أصبحنا أُسارى في يد الدول المنتجة والمصنعة، وهذا من أبرز عوامل تخلفنا الحضاري.
لو استثمر العرب في الإنسان العربي أكثر مما استثمروا في الإسمنت الغربي، لاستطاعوا إنتاج الكثير من المعارف الإنسانية، ولكانوا أكثر الشعوب والأمم تقدماً وازدهاراً عبر احترام الإنسان وصون كرامته من خلال مجموعة من القيم كالعدالة والحرية والحقوق، لكن لأن الإنسان العربي لم يكن أبداً في يوم من الأيام من أبرز أولوياتنا، رأيناه في مؤخرة الركب، فكانت قيمته لا تتجاوز تفتيشه وإهانته في مطارات العالم.
لو بنى العرب من الجامعات والمعاهد البحثية والتكنولوجية والمستشفيات والمدارس أكثر مما بنوه من دور العبادة والمجمعات التجارية الاستهلاكية، لما احتاجوا أن يرسلوا أطفالهم للدول المتقدمة ليتعلموا أبجديات اللغة العلمية وتحصيل المعارف الأساسية فيها، لكنهم لم يستثمروا في العلم والمعرفة، أصبح الجهل والتخلف والأمية سمات عربية واضحة.
لو ركز العرب على أن يقوموا بنسيان الماضي وفتح صفحات مشرقة من العلم والآداب واكتساب التجارب والاستفادة منها، لما تقاتلوا في ما بينهم على رجالات التاريخ ومواقفهم تلك التي كانت قبل مئات السنوات، ولعرفوا جيداً من أين تؤكل الكتف الحضارية المعاصرة، لكنهم أصروا على استدعاء الماضي بكل ما فيه، فصاروا جزءاً من التراث وليس جزءاً من الحاضر.
لو تخلى العرب قليلاً عن نظرية «المؤامرة»، وذهبوا لمواجهة التحديات وعقبات الواقع بكل قوة وحزم وإرادة على خلفية كل ما ذكرناه قبل قليل، لما رموا كل إخفاقاتهم على شماعة الآخر الذي أخذ بأسباب القوة والعزة والمنعة، حتى صار يحكم العالم من خلال مواجهة الحياة وليس الهروب منها.
لو رتب العرب في ما بينهم كل ما قد سلف من عوامل تختصر فلسفة الانتصار، ولو أضافت الدول العربية لكل ما ذكرناه بعض الحريات السياسية والاجتماعية وحتى الفردية لمجتمعاتنا، لكنا خير أمة أخرجت للناس، لكننا لم نفعل كل ذلك، لم ولن نكن خير أمة معاصرة أو قادمة في يوم من أيام الحياة التي نقضيها معاً لأجل بناء ما تبقى من عمرنا الهرم.