ليست ادعاءات ولكنها حقائق يراها القاصي كما الداني، ما تفضل به معالي وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة في تصريحه الأخير عن التدخلات الإيرانية في شؤون البحرين حقائق مثبتة بالأدلة والبراهين القاطعة، ولولا هذا لما قاد معاليه هذه الحملة الوطنية التي عبر بها عن الوصول إلى النقطة التي تستوجب إطلاق الصرخة في وجه هذا الجار الضار الذي «كلما اتجهت الأمور لدينا إلى الاستقرار والتعافي الوطني عمد إلى إثارة القلاقل والتصعيد من خلال تدخله في شأننا الداخلي»، كما قال معاليه. فإيران دربت عناصر على استخدام الأسلحة والمتفجرات، وإيران صدرت إلينا ثقافة الإرهاب، وإيران تسخر كل طاقاتها الإعلامية ضدنا وتتحرك بطريقة لا يمكن قبولها من جار مسلم يفترض أن يكون سبباً في استقرار المنطقة لا في تأليب شعب آمن مستقر على حكومته وقيادته.
كل ما نشر من معلومات وقصص في السنوات الأخيرة عن تدريب بحرينيين موالين لإيران على السلاح في سوريا وفي العراق وفي إيران، وربما في دول أخرى، هو للأسف صحيح ويتوفر عليه ألف دليل ودليل. بالمقابل لم تتمكن إيران طوال السنوات الماضية من إثبات العكس، خصوصاً وأن الأدلة لم تقتصر على اعترافات المتورطين في تلك الأفعال، عدا أن إيران لم تكتف بتدريب عناصر للقيام بأعمال الفوضى والتخريب في البحرين وإنما اهتمت بتدريب عناصر من جنسيات أخرى لتحقيق الهدف نفسه في بلدان أخرى تعتبر شعوبها من «الشعوب المظلومة» التي آلت على نفسها الانتصار لها.
إيران هي التي تحرض ذلك البعض الذي اعتبر نفسه في ثورة على رفض كل الحلول التي تطرحها الحكومة بغية إغلاق هذا الملف، وإيران هي التي تقدم له ما يحتاجه من دعم لم يقتصر على تسجيل الأغاني الثورية في الأستوديوهات الحديثة في لبنان وغير لبنان بمشاركة أصوات تعطش الجيم وتنطق القاف كما تنطق الهمزة وبإيقاعات الدبكة اللبنانية، وإنما يصل إلى حد توفير المال وتبني العيال، وإيران هي التي تحفر بكل ما أوتيت من قوة كي تفرق بين أبناء هذا الشعب الذي عاش طويلاً مستوعباً كل أطيافه واختلافاته.
للأسف فإن كل ما تفضل به معالي وزير الداخلية عن إيران صحيح، بل صحيح مائة في المائة ودقيق، فهو يستند إلى أدلة وبراهين لا تقبل التشكيك، وإلا لما أقدم على مثل هذه الخطوة التي يسهل الرد عليها لو أنها استندت إلى مجرد ادعاءات لا مقابل لها على أرض الواقع. أيضاً فإن المستمسكات ضد إيران لم تأت من عمل واحد تورطت فيه؛ لكن من مجموعة أعمال وعلى مدى سنوات، أي أن هناك ملفاً يمكن توفيره لكل من يريد التأكد من أفعال إيران ومعرفة مدى تورطها في الإساءة إلى البحرين.
وزارة الخارجية استدعت القائم بأعمال السفارة الإيرانية في المنامة، واستدعاء السفير لا يتم إلا إن توفرت الأدلة على الاتهامات، لأن استدعاء السفير الهدف منه تكليفه بتوصيل رسالة إلى بلاده ملخصها أن الحكومة تتهمها بكذا وكذا وأنها تستند في اتهاماتها إلى هذه الأدلة والبراهين، أي أن استدعاء السفير من قبل وزارة الخارجية لا يكون اعتباطاً ولا يمكن أن يتم لمجرد التشكيك في سلوك معين؛ وإنما هو تعبير عن احتجاج وغضب، ولا يمكن لدولة أن تحتج وتغضب وتستدعي سفيراً معتمداً لديها لو لم تكن واثقة مما هو متوفر لديها من معلومات.
طبعاً رغم توفر كل الأدلة والبراهين على تورط إيران وتدخلها في شؤون البحرين الداخلية ودعمها لذلك البعض؛ سيخرج من طهران من ينفيها بكل بساطة ويقول إن إيران «عمرها ما تدخلت في شؤون أي بلد» وإنها مظلومة!