أتنفس هنا وأطلق زفيراً بعد شهيق عميق يكاد يخرج أضلاعي من مستقرها، وأتشبث بستارة الديمقراطية التي نصب أوتادها وأقام أعمدتها جلالة الملك حماه الله، فلم يعد بعد في القوس منزع ولا في النفس مرتع، أريد أن أصرخ بأعلى صوتي لعله يسمع من في أذنيه صمم. يا من تلهثون وراء السراب؛ لكم في النموذج العراقي قصة وعبرة، ذلك البلد الضارب في عمق التاريخ أصبح اليوم أثراً بعد عين.
من هذا المنبر أوجه كلامي ونصحي للعامة وليس للقيادات التي ارتضت لنفسها التبعية والعمالة، وغدت كالمريض المصاب بالجذام الذي لا ينفع معه سوى العزل، فمن انزلق في هذا الدرك وشرب من قدح الخيانة لا يستطع أن يصحو أبداً، وقد قطعوا عليهم الطريق في مسار لا يؤدي بالنهاية إلا لهلاكهم ولو بعد حين.
يا إخوتي في الوطن؛ من يتنعم بخيرات الرافدين اليوم المجرمون والسراق، ومن ارتضى لنفسه العمالة شرقية وغربية، والشعب العراقي يعيش في البؤس والجوع وانعدام للخدمات وتردي الأوضاع الصحية والبنى التحتية، وفي مقدمتها انعدام الكهرباء والخدمات وفضيحة مدارس الطين وغرق بغداد كل شتاء.. أما في الجانب الأمني فالقتل والتعذيب والمخبر السري والعبوة الناسفة والسيارة المفخخة والرصاصة من كواتم الصوت لا تترك أحداً.
فلا يخلو بيت، شيعي أو سني وحتى مسيحي، من نكبة، فضلاً عن تشريد الملايين ومثلهم من النازحين واللاجئين الذين ضاقت بهم بلدهم ودول العالم ويستجدون كسرة خبز.
هكذا هي إيران؛ تستخدم ورقة الطائفية لتتمكن من البلد وتنصب للعيان أبواباً؛ ظاهرها فيها الرحمة وباطنها من قبلها العذاب، ثم ما تلبث أن تكشر عن أنيابها وتحرق الأخضر واليابس، لم تدفع إيران بقوات القدس وجنرالاتها وتعرضهم للمخاطر محبة بآل البيت والدفاع عن الشيعة، وليست مغرمة بسمرة حسناوات البصرة ولا شقراوات الموصل، ما يهمها هو الاستيلاء على منابع النفط وتصدير ثورتها المشؤومة واستخدام العراق كساحة أمامية ورأس حربة لتدير من خلاله المعارك في الشام واليمن وعينها على الخليج العربي، وقودها أهل العراق، فالشيعي يقتل أخاه السني ويحرق أرضه ويستبيح عرضه وماله بفتاوى ضالة، والشماعة داعش والقاعدة. والسني تحول لعدو للحكومة بسبب تميزها وطائفيتها، فيحمل السلاح منفرداً أو مغرراً به ويقتنص الفرصة للانتقام لشرف أخته أو دم أبيه، فيصب جام غضبه على أي مسلح من الحشد والميليشيات، بل حتى الجيش، والنتيجة القاتل والمقتول هم أهل العراق..
بعد كل هذا التوضيح؛ أيود أحدكم أن تتحول البحرين، الحرة الآمنة المستقرة، إلى عراق ثان ينحر بعضنا بعضاً؟!
لا ننكر أن هنالك هفوات تقع؛ فلسنا في جمهورية أفلاطون المثالية، لكن ليس الحل بالاستقواء بالأجنبي، فلن يقدم لكم النصح والدعم مجاناً، والثمن هو ذلنا واستعبادنا وسلب أمننا.
ولا أغفل هنا عن تذكير من له شأن في إدارة أمن البلاد بأمور أوجزها للتذكرة:
- الإسراع بسن قانون يجرم التعرض للمذاهب والأديان والرموز، ليس من فوق المنابر والمآتم فحسب؛ بل في المجالس والمؤسسات ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
- تشكيل محكمة خاصة بالإرهاب يكون قرارها قطعياً لا يقبل النقض بعد ثبوت الإدانة بحق من يعبث بأمن البلاد، وعدم الالتفات إلى تخرصات منظمات حقوق الإنسان، مما سيقوي من هيبة الدولة ويردع الإرهاب ويقلص مساحته.
- تفعيل دور المقاطعة الاقتصادية والعمل مع إخوتنا في مجلس التعاون لإقراره، فهو سلاح ماض في الحروب الساخنة والباردة.
- تطوير الآلة الإعلامية ومخرجاتها؛ فللأسف مازالت دون الطموح، وبالذات الإعلام الخارجي، فقد استغل الإرهابيون ضعف الإعلام في هذا الجانب فنقلوا صورة غير حقيقية وقاتمة عن البحرين، واستمالوا كثيراً من الهيئات والمنظمات والدول، وكانوا طوال الفترة الماضية يتحركون بحرية دون أن يعترضهم أو يفند افتراءاتهم أحد، وقد أضر ذلك بسمعة البحرين مما يتطلب وضع سياسة إعلامية جديدة.
- وأخيراً وعملاً بقوله تعالى «وأمرهم شورى بينهم» ولكوني مواطناً وأشعر أن في رقبتي ديناً وحملاً يجب أن أؤديه؛ فأتمنى على الحكومة، في هذا الوقت المصيري، أن تتريث في بعض قراراتها التي تمس معيشة المواطن، خاصة الإبقاء على دعم قوت يومه، والمحافظة قدر المستطاع على مكتسباته، فقد يوظف ذلك في تأليب الشارع واحتقانه، فلا تتركوا منفذاً مهما كان ضيقاً إلا وردمتموه وقطعتم الطريق على أبالسة الإنس والجن من خرقه.