الحملة التي يقودها الجناح الإعلامي والجناح السياسي المقلد للولي الفقيه، بخصوص البعثات الدراسية هي جزء من استراتيجية دأبت على تفعيلها منذ تأسست الصحيفة والجمعية، وتعمل على تضليل الرأي العام وصناعة النقمة والكراهية بين المواطن والدولة.
رغم أن العديد من القائمين على هاتين المؤسستين المرخصتين وفق الأنظمة البحرينية مزدوجو الجنسية ويحمل العديد منهم جنسيات أوروبية وبالتالي يعرفون حق المعرفة أنهم مثلما حصلوا على ميزة التمتع بتلك الجنسيات فهم مطالبون بحزمة التزامات تجاه الدولة بناء على معادلة العقد الاجتماعي الذي قبلوا به حين طلبوا وجنسوا الجنسية الأوروبية، إلا أنهم في البحرين ينشرون معلومات مضللة يمسحون فيها بند الالتزامات والواجبات المترتبة على المواطن البحريني تجاه دولته، ويقومون بذلك بقصد وبتعمد ومع سبق الإصرار والترصد.
أيعتقد حامل الجنسية البحرينية أو الجنسية لأي دولة كانت أن امتيازاته وحقوقه التي وردت في دستوره مجانية؟ ولا أقصد هنا الكلفة المالية لتلك الخدمات، إنما أقصد أن أي امتياز يطالب به أي حامل للجنسية سواء كان ذلك الامتياز وحدة سكنية أو بعثة دراسية أو حتى علاجاً مجانياً لا بد أن تقابله كلفة سياسية نص عليها الدستور.
على ماذا يقسم باعتقادكم من يوهب الجنسية الأمريكية من طالبيها على سبيل المثال؟ يقسم أن يحترم الدستور، يضعون له كتابه المقدس إن كان الإنجيل أو كان القرآن حسب ديانته ومجبر أن يقسم أن يحترم الدستور، وبعد ذلك يجوز له أن يطالب أو يتمتع بأي امتيازات نص عليها هذا الدستور.
الدول الأوروبية منحت جنسيتها لملايين الوافدين من آسيويين وعرب وأفارقة، وحين انخرط أبناء هؤلاء في تهديد أمن هذه الدول شعرت هذه الدولة أنها تعرضت «للخيانة» من قبل جيل ولد على أرضها وتمتع -هو وآباؤه- بكافة حقوقه إلا أنه نسي مسلمات وبديهيات المواطنة وأنكر التزاماته تجاه هذه الدولة وأخل بأمنها، حتى هذه الدول الديمقراطية التي تتغنى وتتنافس في ما بينها بتقديم الخدمات لمواطنيها اضطرت أن تذكر المواطن بالتزامه بأمنها وبسيادتها وبسلامتها من خلال إجراءات بعضها أقره برلمانها وبعضها يناقش في طريق الإقرار تجاوزت سحب الجنسية إلى الحرمان من الخدمات والرعاية.
كل تلك المعلومات يعلم القائمون على الصحيفة والجمعية السياسية المرخصة وفق الأنظمة البحرينية حقيقتها ويعلمون أولادهم أن يحترموا القوانين التي تنص عليها الجنسية الثانية التي يحملونها، وحين يأتي الحديث عن البحرين فإنك لا تجد حرفاً واحداً يذكر المواطنين بأن حقوقهم يقابلها واجباتهم هذا ما نص عليه الدستور البحريني.
فدستور الدولة مثل بقية الدساتير به فصل يسمى «الحقوق والواجبات» ومن الطبيعي أن تتحقق الدولة من خلال قوانينها وإجراءاتها أن هذا المواطن ملتزم بما جاء في الدستور قبل أن تمنحه أياً من حقوقه.
وأي تشريع أو تدبير أو إجراء قامت به أي مؤسسة حكومية يحقق هذه المعادلة ويضمن أن المواطن طالب الخدمة ملتزم بما جاء في هذا الدستور قبل تقديم الخدمة فهو إجراء دستوري، وأي حرمان لأي مواطن من أي امتياز حين يثبت عدم التزامه بما جاء في الدستور فهو إجراء دستوري وهي عقوبة واجبة ودستورية، وإلا لم سميت الدساتير «بالعقد»؟ إنها عقد بين المواطن والدولة أي بين طرفين تؤدي الدولة خدماتها للمواطن مقابل التزام المواطن بما جاء في الدستور.
لماذا تتردد إذاً الدولة وتتلعثم وتختلق تسميات وإجراءات تلف بها وتدور كي لا تعلن بشكل واضح وصريح أنها تبحث عن ضمانات الولاء قبل أن تقدم الخدمات؟ أصبح لزاماً الآن بعد أن ضاعت المسلمات الحقوقية وشوهت وتم تضليل الناس عن الحقائق عن سبق إصرار وترصد، أصبح لزاماً ولا بد من اشتراط توافر كل عناصر الولاء «للدولة» عند أي شخص يحمل الجنسية البحرينية قبل استحقاقه وتمتعه بأي من مكاسبها أو امتيازاتها بلا استثناء من سكن ومن عمل ومن دراسة ومن علاج و و و و، هذا الشرط ليس بدعة بحرينية مرتبطة بمذهب أو دين أو لون أو جنس، إنما هذا الشرط هو جوهر العقد بين أي دولة وأي مواطن في كل دول العالم.
حتى ولا نخلط الأوراق كالعادة، فلا يحرم أي شخص من حقوقه لكونه ناشطاً سياسياً أو حقوقياً أو يتبنى موقفاً معارضاً للحكومة كما يحاولون أن يخلطوا الأوراق دوماً لمزيد من التضليل، «فالمعارضة» جزء لا يتجزأ من العمل السياسي المطلوب، إنما المعارضة في أي دولة في العالم هي أول من يتمسك بالدستور وهي أول من يصطف مع الحكومات في أي موقف ينال من أمن وسلامة الدولة وهي أول المدافعين عن الوطن من أي اعتداء أجنبي، «المعارضة» لا تعني التخابر مع دولة أخرى ولا تعني القيام بأنشطة عنف وإرهاب تمس أمن الدولة، ولا تعني تقديم فروض الطاعة والولاء لرئيس دولة أجنبية بأي شكل من الأشكال، المعارضة لا تتهادن ولا تدعم الإرهاب، ولا تتنحى جانباً حين تطلب الدولة اصطفافاً على أرضية مشتركة لحماية أمن وسلامة الدولة، فإذا قام أي شخص بارتكاب هذه الأفعال المجرمة أخل بالعقد وأخلى ذمة الطرف الآخر القائم على تنفيذ الشطر الثاني منه.
جميع الدول الديمقراطية تربط الحقوق بالالتزامات وجميعها يجرد من يخل بهذه الالتزامات من امتيازاته بما فيها الجنسية ومن بقية الخدمات العامة، فهذه المعادلة هي التي يقوم عليها جوهر وروح الدستور الذي يبدأ دائماً بفصل «الحقوق والواجبات».
وعليه فإن الدولة لا بد أن تكون واضحة في تشريعاتها وفي إجراءاتها وفي تدابيرها لتنفيذ جوهر وروح هذا البند الدستوري، وتوزيع «الامتيازات» يجب أن يخضع لضوابط تشريعية جديدة وإجراءات تدبيرية واضحة تربطها بالالتزامات بشكل لا لبس فيه، كما أوجبتها كل دساتير العالم، ولا يجب أن تمنح لمن يبكي أكثر ولمن يشكو أكثر ولمن يلطم أفضل ولمن يصيح أكثر، وللمصاب بعقدة الاضطهاد أكثر، أو لمن يرفع «بعبع» معاداة السامية أو الشيعية أو أية مذهبية أكثر، فتلك ممارسات يجيدها البعض ولا يجيدها الآخر وليست هي الأداة التي نطبق بها الفصل الدستوري «الحقوق» و«الواجبات».
وأخيراً على الدولة أن تكون واضحة تجاه جريمة التضليل المتعمد للمبادئ الدستورية فتلك الجريمة لا يقل ضررها عن محاولة تغيير الدستور بالقوة، تلك الجريمة تهيئ بيئة الكراهية وتدفع الناس للتغير بالقوة.