يشهد العالم في الوقت الراهن تطورات متسارعة في ثورة الإعلام والمعلومات ووسائل التقنية الرقمية التي قدمت وتقدم مفاهيم جديدة للاتصال، تحتاج معها الدول الإسلامية إلى نظرية إعلامية جديدة تعيد تأسيس رؤيتها وفق استراتيجيات تأخذ في اعتبارها دورها الريادي بين الحضارات المختلفة، في ما يتعلق بحقوق الإنسان «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»، ومفاهيم الرؤية التأصيلية القائمة على «دولة المدينة» بإيحاءاتها المدنية ومنهجية «أنتم أعلم بأمور دنياكم».
وقد نتج عن هذه التطورات إعلام جديد يستوعب في داخله وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة، والتي بدأت تزاحم وسائل الإعلام التقليدية في الخبر، وتفوقه عليها بالتفاعل، الأمر الذي يستدعي من الدول الإسلامية والعربية الاستفادة من هذا الإعلام الجديد ضمن نسق متكامل مع الإعلام التقليدي من أجل خطاب إعلامي مكافئ للخطاب الإعلامي الأمريكي الذي أسهم في قيادة نظام إعلامي قائم على التضليل والتلاعب والهيمنة والقمع الخفي، خاصة بعد التغيرات الظاهرة التي طرأت على منهجيته نحو غالبية الدول خاصة الدول الإسلامية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والتي رسمت بسببها الولايات المتحدة عهداً جديداً يعتمد سياسة القطب الواحد.
إن العديد من الدول الإسلامية والعربية في الوقت الراهن تواجهها عدة إشكالات ذات منحى سياسي واجتماعي وفكري وحقوقي، تجعلها هدفاً مشاعاً لوسائل الإعلام الأمريكية التي تؤازر تغطياتها الموقف السائد للحكومة الأمريكية في الأزمات المتعلقة بالسياسة الخارجية، والتي تتحرك على الدوام وفقاً لمؤشر المصالح وتوازناتها، وتستخدم مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، والإصلاح السياسي والشفافية ومحاربة الفساد، في أحايين كثيرة كأرواق ضغط، الأمر الذي يتطلب من هذه الدول سد هذا الباب بإعادة النظر في هذه القضايا.
يقدم الإعلام الأمريكي توصيفات سالبة عن الإسلام والمسلمين، الأمر الذي يتطلب قراءة واعية لمحتوى وسائط الاتصال الأمريكية، وإعادة ترتيب ما يقدم من محتوى عبر وسائط الاتصال في الدول الإسلامية والعربية، إن كان مقدماً للرأي العام المحلي أو موجهاً للجمهور الأمريكي والغربي، كما أنه يحتم على هذه الدول فتح أبواب للتواصل مع قادة الرأي وخبراء الإعلام الأمريكيين وتوضيح العديد من القضايا التي تسهم في تصحيح الصورة الذهنية السالبة عن الإسلام والمسلمين.
ويدفع هذا الأمر إلى أهمية تبني الباحثين المزيد من الدراسات والأبحاث في ما يتعلق بمحتوى الخطاب الإعلامي الإسلامي والعربي، وأهمية اهتمام الجهات المسؤولة بجهود الباحثين في هذا المجال، حتى يتم توفيق أوضاع هذا الخطاب بما يتماشى والتطورات الراهنة في علوم الاتصال ونظرياته، ومآلات السياسة والعلاقات الدوليتين.
إن واحدة من الإشكالات التي تواجه العالم الإسلامي والعربي الإرباك الحاصل بين صورتين ذهنيتين، أولاهما سالبة ومنمطة لدى الرأي العام الأمريكي والغربي، والأخرى غالباً إيجابية لدى الرأي العام في الدول الإسلامية والعربية، أو هي سالبة لدى مجموعات تنتهج العنف، مما يدفعها لاستهداف مصالح أمريكية في المنطقة، الأمر الذي يجر معه المزيد من الضغوط والتضييق على شعوب إسلامية وعربية، أو حروباً وتدخلات تحت مسميات مختلفة، تحت عنوان رئيس وهو «مكافحة الإرهاب»، وربما يقع جزء كبير من المسؤولية في ذلك على السلطات الحكومية في هذه الدول وسياساتها.
ويتطلب ذلك تفعيل وإنشاء أو الاتفاق مع شركات للعلاقات العامة تعمل على تصحيح هذه الصورة الذهنية، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن الخطاب الإعلامي الأمريكي متحامل على الدول الإسلامية، في ظل نظام إعلامي عالمي تهيمن خلاله الولايات المتحدة على مجتمع المعلومات، الأمر الذي يؤكد أهمية مراجعة طبيعة الأداء الإعلامي عربياً وإسلامياً في ما يتعلق بالقضايا الحيوية والمصيرية، وإعادة النظر في الرقابة الممارسة على الرسالة الإعلامية من أجل مجتمع إعلامي منفتح يعتمد على المهنية والدقة والمصداقية والموضوعية.