الهدف من أي تحليل سياسي أو أي قراءة للوقائع الراهنة هو الوصول إلى مقاربة موضوعية للحقائق؛ من أجل محاولة استشراف المستقبل ورسم خطط مستقبلية متطورة تحمي المكتسبات الوطنية وتعزز عمليات التنمية وتدرأ المخاطر المهددة للوطن. وهذا ما يتعين علينا العمل به لمواجهة التدخلات الإيرانية التي لم تنقطع تاريخياً عن البحرين.
دشنت إيران مرحلة ما بعد الاتفاق النووي بخطبة العيد للسيد علي الخامنئي مرشد الثورة الإسلامية في إيران التي جاء أهم محورين فيها على نفي أي تنسيق مستقبلي مع الولايات المتحدة الأمريكية في أي من قضايا الإقليم عدا موضوع الملف النووي، واستمرار دعم إيران لحلفائها في المنطقة واستمرار دعمها للشعوب «المظلومة» في كل من العراق وسوريا واليمن والبحرين!. وقد يبدو مقبولاً «نظرياً» الحديث عن مظلومية شعوب العراق وسوريا واليمن باعتبارها شعوباً تخوض حروباً مختلفة. ولكن يبدو واضحاً جداً إقحام الشعب البحريني الآمن والمستقر في قضية مظلومة مفتعلة. تلا تصريحات الخامنئي إعلان وزارة الداخلية البحرينية عن إحباطها عملية تهريب متفجرات وأسلحة إيرانية للبحرين عن طريق البحر، ثم حدث بعدها مباشرة وقوع عملية تفجير في جزيرة سترة أودت بحياة اثنين من رجال الأمن، وقد تبنى العملية جماعة تطلق على نفسها كتائب «إسلامية».
وحين نقرأ المشهد السابق علينا «فرد» المعطيات الملتبسة به وأهمها؛ أن التدخلات الإيرانية حقيقية وتاريخية في البحرين لا مجال للنقاش في جديتها حتى وإن نفت المصادر الرسمية ذلك. أما في الوقت الراهن فإن مرحلة ما بعد الاتفاق النووي تبدو غير واضحة المعالم بعد، عدا أن انفراجات اقتصادية ودبلوماسية كثيرة ستحظى بها إيران نتيجة رفع الحصار الاقتصادي وتدفق الاستثمارات العالمية الهائلة التي تنتظر صافرة الانطلاق كي تتزاحم على البوابات الإيرانية. وهو ما سوف يخلق انشراحاً إيرانياً وربما غطرسة المنتصر وصلافته. والوضع الإقليمي العربي يشير إلى تقدم في القضية السورية لصالح النظام، فمن جهة تراجعت الكثير من التصريحات المؤكدة على ضرورة إسقاط الرئيس بشار الأسد وارتفعت الأصوات المنادية لحلول سياسية تنهي الحرب الطويلة في سوريا. فضلاً عن تقاطر العديد من المسؤولين الدوليين في زيارات للحكومة السورية. وأخيراً انخراط تركيا «مرغمة» في الحرب على داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية المقاتلة في سوريا بعد أن وصلت نيران إرهابها إلى الأراضي التركية، وتحول تركيا إلى قاعدة لضرب تلك الجماعات في سوريا والعراق بعد أن كانت تركيا داعماً رئيساً لها ومدرباً أصيلاً لها في الأراضي التركية ومنفذاً لدخول عشرات الآلاف من الجهاديين إلى سوريا. وتبقى الحرب في اليمن التي مازالت تطول ويغيب أي أفق لحل سياسي ينهيها. وقد دخلت في تعقيدات جديدة بعد التدخل البري مما يعني انشغال دول الخليج بعملية حسم الحرب ضد التمدد الحوثي في الأشهر القليلة القادمة على الأقل.
يحدث كل ما سبق في ظل انفراط شبه كامل للعقد العربي ودخول الجامعة العربية في غيبوبة كاملة وفي شلل رباعي لا يرجى خروجها منه، مما يعني هشاشة اللحمة والتنسيق العربيين في العديد من القضايا وهو ما يزيد المخاطر ولا يقلل منها.
ما المقصود من الطرح السابق؟ وكيف نربطه بالتدخلات الإيرانية في البحرين؟
المقصود أن البحرين تواجه خطراً حقيقياً ليس جديداً. وأن هذا الخطر يتجاوز المماحكات السياسية التي تعبر عنها إيران غالباً بالتصريحات المستفزة إلى توغلها في العمق البحريني لخلط الأوراق وخلق بعض الفوضى فيه. وهذا الخطر لا يمكن فصل تطوراته عن الملفات الإقليمية الشائكة والملتهبة في المنطقة. وأن تعقد تلك الملفات يجعل الخطر المحدق بالبحرين يبدو أشد وأكثر إقلاقاً. ما المطلوب إذاً؟
والمطلوب وضع استراتيجية جادة وموضوعية لمواجهة الخطر الإيراني وأذرعه المتمددة في البحرين، فعمليات الشجب والرفض للتدخلات الإيرانية وللعمليات الإرهابية التي عادت تضرب البحرين بقوة وتزهق أرواح رجال الأمن ليست كافية، فهي وإن كانت تعبر عن نبض الشارع إلا أنها لا تغير الواقع. ويستدعي الوضع إدراك تعقد الوضع الإقليمي وعدم التعويل على أي انفراجة فيه، بل المراهنة على تأمين الوضع الداخلي. وقد يستدعي ذلك من الحكومة فتح قنوات للتواصل والاتصال مع جهات داخلية كثيرة ومتعددة وإعادة ترتيب الوضع الداخلي بما يحقق استقراراً متفقاً عليه بين مختلف المكونات البحرينية.
وقد لا يكون من الحكمة تهويل الوضع الأمني في البحرين ولكن ليس مقبولاً التعامل معه بأقل مما يستحق وانتظار أي طارئ حتى يتم رفع درجة الجاهزية خصوصاً أن أزمة 2011 أثبتت عدم وجود أجهزة لإدارة الأزمات في البحرين. وفي الوضع الذي نرى فيه الدول العربية تتهاوى الواحدة تلو الأخرى علينا أن نحذر الانجراف خلف أي استدراج أو الوقوع في أي فخ قد يكون مرسوماً لنا سلفاً لتطوير الأمور نحو تحقيق الآخرين. حفظ الله البحرين من كل سوء وأمنها من كل شر.