تهيئة البيئة التي أدت إلى ما حدث عام 2011 كان عملاً دؤوباً، طاولة عمل منعقدة على مدار الساعة، اجتماعات حثيثة، مهام موزعة ولكل دور، تهيئة العقول عملية تجري جنباً إلى جنب مع مهام تخزين السلاح، ويصاحبهما تهيئة أجواء مفعمة بالإحباط والغضب والشحن والتجييش، فالحدث يحتاج إعداداً وتهيئة للبيئة أكثر من الإعداد للتدريب على حمل السلاح لأن المشروع كبير يقضي بإسقاط الدولة وله مراحل.فصل مجاميع شعبية كبيرة عن بنية الدولة نفسياً ومادياً هي أول المهام وأهمها، ويحتاج إلى جهد حثيث، وقد نجحت المهمة بجهدهم وبغفلة الدولة ونومها في العسل، وبانعدام للتخطيط طويل المدى، رغم أن البحرين دخلت إلى مرحلة الممالك الدستورية وبيضت السجون وفتحت صفحة جديدة إلا أنها اعتقدت أن تلك الخطوات كفيلة بتهيئة بيئة المواطنة البحرينية، وذلك كان أول أخطائها، هي نامت وتلك المجموعة استمرت تعمل عمل النملة المتواصل ليل نهار، حتى وصلنا إلى مرحلة شعب أصيل وشعب دخيل وصلنا لمرحلة «ارحلوا» نحن الباقون وأنتم الذاهبون، وصلنا إلى التشفي بموت بشر لأنهم «مجنسون» وصلنا إلى عزلة تامة لمجاميع بشرية عزلت عزلاً تاماً عن الدولة وتم تهيئتها مادياً ونفسياً للانفصال، وتتحمل الدولة المسؤولية الأكبر في غفلتها عن هذا الإعداد وهذه التهيئة، ولولا رحمة من الله وستره لكان المخطط نفذ بنجاح فقد تهيأت له كل المقومات محلياً ودولياً.بعد أن فشل التنفيذ بفضل من الله تكشف حجم الإعداد والتأهيل والمدة الزمنية التي استغرقتها هذه المهام، مدة تتجاوز العشرين عاماً خصصت لها ميزانية وتم فيها توزيع الأدوار والمهام تولى الجناح السياسي دوراً والجناح الإعلامي كان مكملاً والجناح الديني قاد العملية والميليشيات العسكرية نفذت ميدانياً، فهل انتهى المشروع؟ وهل جلست الدولة على طاولة واحدة ونظرت في ما تفعل لهدم هذا البناء وإعادة التأهيل الوطني من جديد؟هول ما حدث بالأمس يؤكد أن المشروع انتقل إلى المرحلة باء أي إلى تنفيذ ما أجل تنفيذه عام 2011 وما لم يتسن للمعدين إنجازه، والدولة مازالت تلاحق المجندين، وتترك الحصن قائماً بكل مقوماته.منذ 2011 وماكينة التهيئة النفسية لم تتوقف يوماً واحداً، الدينية والسياسية والإعلامية، تزامناً مع حراك الميليشيات المسلحة، إلى أن وصلنا إلى مرحلة التفجيرات بمادة «السي فور» وهي مرحلة جديدة ومستوى جديد من الصراع، والدولة إلى الآن وحتى من بعد زلزال 2011 تكتفي بملاحقة المجندين وهؤلاء «ريي فيل» يذهبون ويحل محلهم آخرون، ضحايا ووقوداً، بسطاء وذكاؤهم محدود مشحونون ببغض الدولة والعداء لها لا يرون خيراً فيها ولا يعرفون كم صرف على تعليمهم وعلاجهم وسكنهم وتوظيفهم و«كهربتهم» ومائهم ولا يعرفون كم كلفت شوارعهم وما هي قيمة وجودهم في دولة ذات سيادة حافظة لحدودها مانعة لأي اعتداء خارجي عليها أو أي إرهاب أجنبي ينغص عليهم نومهم.هناك حصن متين محاط بسياج مدعوم من إيران مادياً ومعنوياً عجزت الدولة عن اختراقه منذ عشرين عاماً يزداد سماكة يوماً بعد يوم وخلية نحل تعمل على بناء طبقاته العازلة، يحتاج إلى «مشروع دولة»، يحتاج إلى طاولة منعقدة على مدار الساعة، يحتاج إلى ميزانية، يحتاج إلى قرار سيادي ينظر للبحرين بعد عشرين عاماً من الآن، يحتاج أن يسخر كل إمكانات الدولة لهدم وتفكيك هذا الحصن وإعادة بنائه بناء بحرينياً جديداً لا يكتفي بالاتكال على الوقت أو الاتكال فيه على وسطاء أو أعيان أو أي حلول ترقيعية، يحتاج لخلية عمل ونظرة استراتيجية شاملة توقف هذا النزيف المتواصل وعملية «الريفيل»، تضع الرجل المناسب في المكان المناسب لتنفيذ هذا المشروع، اعتقدنا أن الدولة وصلت إلى هذه القناعة بعد زلزال 2011 لكننا رأيناها وقد تفتق ذهنها عن أفكار هي أشبه بلعب الأطفال، أفكار من لا يرى أبعد من أرنبة أنفه، الدولة تلعب «بلاي ستيشن» وخصمها يتحرك على الأرض يبني الحصون جدراناً عازلة، جعلت نصف الشعب يقول لنصفه الآخر من أنتم؟خصمك انتقل إلى الخطة «باء» وأنت لم تعالج بعد آثار الخطة «ألف»... اصحوا قبل أن يضيع البلد.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90