إن ما وصف بالربيع العربي عام 2011 من قبل داعميه والمخدوعين به، بل وبعض المشاركين فيه، أصبح يوصف من قبل الكثير من الكتاب والمثقفين بل والجماهير بأنه كابوس وليل مظلم، وفي نفس السياق فإن ما يسمى بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني التي استخدمت كشعارات أو أدوات من قبل دعاتها لتحقيق طموحاتهم في تدمير العالم العربي، وهي شعارات جميلة، ولكنها كلمات حق أريد بها باطل.
فالديمقراطية نمت في الغرب عبر قرون، واستخدمت عدة أدوات حتى وصلت إلى المرحلة الراهنة وماتزال قيد التطوير، وإن آثار العنصرية وكراهية الأجانب والانقسامات الطبقية والطائفية لم تختف بصورة كاملة في الدول الغربية، ومازلنا نشهد أعمال القتل والتمييز المجتمعي ضد السود في بعض مناطق الولايات المتحدة وضد الأجانب في بعض الدول الأوروبية، بل وضد المرأة.
إن الترويج لحروب الجيل الرابع هو أحسن وصفة لتدمير الدول الصغيرة، أو ما يطلق عليها الدول المشاغبة والمتمردة على السيطرة من قوى معروفة إقليمياً وعالمياً، وأيضاً طموحات دول إقليمية من أجل الأدوار المستندة للأوهام التاريخية وأحلام الإمبراطوريات القديمة التي هيمنت لعدة عقود ثم زالت وبادت.
والإحياء الثيولوجي الجديد في بعض دول المنطقة هو أحد الوسائل لتدمير الدول الصغيرة الحريصة على استقلالها وتنمية شعوبها، وفي مقدمتها دول مجلس التعاون التي وضعتها تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في قائمة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة جداً، أو دول صاعدة ومتماسكة في إطار وحدتها الوطنية عبر التاريخ مثل مصر ومشروعاتها الوطنية منذ ثورة 30 يونيه التي قام بها الشعب المصري ورفض أولوية الفكر الثيولوجي على حب الوطن والولاء لنظامه السياسي الذي ارتضاه الشعب، ولعل خير دليل على تأكيد الإسلام حب الوطن والانتماء إليه أن القرآن الكريم احتوى على سورة كريمة هي سورة البلد، وأقسم الله سبحانه وتعالى بها مخاطباً سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام قائلاً (لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد، ووالد وما ولد)، وهذا الحب لمسقط رأس الإنسان أكد عليه النبي محمد عليه الصلاة والسلام عندما هاجر مضطراً من مكة إلى يثرب بقوله وهو ينظر إلى مباني وتراب مكة «والله إنك لأحب البلاد إلى الله، وأحب بلاد الله إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت».
وقد ذهب علماء الشيعة أمثال العلامة محمد مهدي شمس الدين في كتابه «التجديد في الفكر الإسلامي» إلى تأكيد نفس المعني، كما ذهب علماء السنة في الأزهر الشريف، ومن بينهم الإمامان محمود شلتوت وجاد الحق علي جاد الحق وغيرهما، لـتأكيد ضرورة إيمان المسلم بوطنه وتوضيح أن مفهوم الأمة الذي ورد في القرآن الكريم بأنه لا يعني الدولة، ودون الخوض في مصطلحات فقهية أو لغوية أو سياسية فإن مفهوم الدولة الوطنية هو المفهوم القائم في العالم الحديث، وأي خروج عليه يعد بمثابة خيانة للوطن.
من هنا نقول إن حروب الجيل الرابع وهي تستهدف تمييع الهوية القومية للدول وتستهدف أيضاً تشويه صورة الإسلام وتخريب الإنجازات التي تحققت في بعض الدول مثل دول مجلس التعاون أو تخريب أدوار دول مهمة في المنطقة مثل مصر لمصلحة قوى طائفية مرتبطة بقوى إقليمية ودولية.
باختصار إن حروب الجيل الرابع تعتمد مصطلحات جميلة لخداع الجماهير والمثقفين، وأدواتها البشرية مهما كانت مسمياتها لا تعتمد على دولها وشعوبها مثل هذه المنظمات الأهلية في الدول الغربية ونظيراتها في مصر في أوائل القرن العشرين مثل جمعية المواساة أو الجمعيات الخيرية التي كانت تنشئ المدارس والمستشفيات وغيرها، وإنما تعتمد على التمويل الأجنبي، ومن المنطقي أنها تلتزم وتعمل وفقاً لأجندته ومصالحه.
إن كثيرين ينخدعون بالشعارات النبيلة، إذ إنها تعبر عن الأمل ولكن بعض رافعيها وداعميها لا تتماشى أهدافهم الخفية مع آمال وأحلام الجماهير الذين يساقون سوقاً نتيجة الدعاية واستخدام نظريات علم النفس الاجتماعي ونظريات الإعلام الجماهيري والإعلام الحديث للترويج لأفكارهم وحشد الجماهير لترديدها ومساندتها.
إن محاربة الإرهاب تعد ضرورة، لأنه يروع الآمنين والمسالمين، كما يوجه الإرهاب لرجال القوات المسلحة والأمن والقضاء، كما يحدث في مصر والبحرين من استهداف بعض أفراد من هذه الفئات لأنها تعد ركائز أية دولة وبدونها سوف تنهار وتتحول إلى دولة فاشلة أو هشة يسهل السيطرة عليها.
ولعل بعض من يتحدثون عن «داعش» ويحاربونها هم الذين خلقوا هذا الكيان المتوحش ويحركونه كما يشاءون من وراء ستار، على غرار تجربة القاعدة في أفغانستان لمحاربة الشيوعية الكافرة التي انساق إليها كثيرون، ثم اكتشفوا الخدعة بأنهم أدوات في استراتيجية الصراع الدولي.
وإنني أدعو إلى يقظة فكرية من علماء المسلمين من الشيعة والسنة على حد سواء، ومن رجال الدين المسلمين والمسيحيين في دولة مثل مصر، ومن المثقفين المخلصين لبلادهم لكي يدركوا المبدأ الاستعماري التقليدي القائم على سياسة فرق تسد، والذي حكم به الاستعماريون القدامى معظم مناطق العالم، كما يحكم به الاستعماريون الجدد عالم اليوم، وهم الذين ابتكروا مصطلح وأدوات حرب الجيل الرابع.
كما ندعو العرب والمسلمين والمواطنين في كل دولنا للاحتكام لكلمة سواء، وهي وحدة الإسلام ووحدة المفهوم الديني المقدس، وإلى احترام سيادة الدول واحترام ركائز المجتمع التي بدونها سنعود لعصر شريعة الغاب.