ليس هنالك من درس أبلغ من التجربة، فالتجارب الإنسانية تعلمنا كيف لنا أن نعيش وكيف لنا أن نتكيف مع الأوضاع التي تحيط بنا، ومن لم يتعلم من تجاربه وتجارب الآخرين وكل المحيطين به فهو أعجز لأن يكون إنساناً صالحاً للعيش بقية الدهر.
إن من أهم التجارب الإنسانية المعاصرة التي يمكن للإنسان أن يستخلص منها الدروس والعبر، هي الأحداث والتجارب السياسية في عصرنا الراهن، خصوصاً التي تقع في محيطنا ومنطقتنا، ومن هذا المنطلق نقول يجب على الخليجيين أن يستفيدوا من التجارب السياسية التي يشاهدونها كل يوم، وما آلت إليه من محن وويلات وحروب وتشرذم للشعوب والحكومات التي طحنتها أزماتها السياسية، حتى تحولت لمشاهد صريحة للفوضى والولوغ في بحر من الدماء.
من الواجب الوطني والإنساني والعقلي والمنطقي أن يتفادى أهل هذا الخليج المستقر نسبياً كل تلكم الإرهاصات السياسية التي تحيط بهم من كل جانب، وعليهم أن يتفادوا كل أشكال الانفلات السياسي المحتمل، لا أن يكرروا تجارب الفشل والتناحر والفتن وإراقة الدماء والقتل التي تحصل في دول الجوار. الذكي هو الذي يتعظ من التجارب، والإنسان الغبي هو الذي يخوض أمثالها مع يقينه بمستوى الخسائر التي ربما تتضاعف لو تم استنساخها من الآخرين.
يجب على البحرينيين وعموم أهل هذا الخليج أن يستوعبوا هذا الأمر، الدرس، وأن ينظروا إلى ما يجري في سوريا والعراق واليمن وغيرها من الدول المحيطة بنا، من أجل تجنب حدوث ما لا يحمد عقباه، فالدمار الحاصل في تلك الدول إضافة لمشاهد الموت اليومي، هو أكبر محفز للشعور الواعي بعدم الاقتراب من مناطق العنف، والاستفادة من التجارب السياسية وما يسمى بثورات الربيع العربي من الدول التي لم تتحقق فيها أدنى الأمنيات، بل تحولت أمنياتهم لمجموعة من الآلام التي تختصر مشهد الفوضى غير الخلاقة!
يجب علينا أن نغلق ملف العنف الدائر في منطقتنا قبل كل شيء، وقبل الحديث عن نقاط التوافق الوطني أو حتى الاختلاف يجب أن يؤمن الجميع بأن العنف طارد لكل أشكال الالتقاء، كما أنه المحفز الأكبر للتباعد والتنافر بين كل القوى السياسية والحكم، فالعنف يجر العنف، ولا مستفيد من كل هذا إلا سماسرة الدم والسياسة.
نتمنى من كل العاملين في المجال السياسي في البحرين التعقل والعمل وفق المنهج السلمي حتى آخر رمق، وعليهم أن يعرفوا جيداً أن العنف ليس حلاً لأبسط مشاكلنا، فكيف يكون حلاً لأكبرها، ومن هنا يجب محاصرة كل ألوان العنف من طرف المجتمع البحريني، حتى يمكننا بعد ذلك الذهاب لطاولة يجلس عليها عقلاء الوطن، بدلاً من الاحتكام للشارع الذي لن يزيدنا إلا ألماً ووجعاً في الخاصرة، فالخيار الوطني الصائب لنا لا لغيرنا.