تلعب الأسرة دوراً أساسياً في تشكيل شخصية الطفل، لاسيما من عمر السنتين إلى الست سنوات الأولى؛ إذ أكد علماء السلوك أن 80% من شخصية الطفل تتبلور في هذا العمر.
كما أكد علماء السلوك بأن الطفل يعتمد بشكل أساسي على أسرته في اكتساب مهاراته وشخصيته ومعلوماته وبأن البيئة «الأسرة» تعد أهم مكونات صناعة شخصية الطفل. قبل أن يتعرض للمجتمعات التفاعلية الأخرى المؤثرة مثل «المدرسة والإعلام ودور العبادة».
ومن البديهي أنه إذا ترعرع الطفل في أسرة صالحة فإنه سيكتسب بلاشك الصلاح منهم، وهذا يسري على مختلف الأخلاقيات والطباع التي يكتسبها الطفل من محيط أسرته.
ولنتخيل أسرة متعصبة؛ أسرة لا تؤمن بثقافة الاختلاف، أسرة تنفر من جميع الأشخاص الذين يختلفون معها سواء في الأيديولوجية أو المعتقد أو الدين أو المذهب أو العرق أو الأصل.. فكيف سينشأ أبناؤهم؟ وكيف ستكون شخصياتهم؟
عن نفسي عشت في عائلة تؤمن بالاختلاف، ولربما أثر الانفتاح الذي عاشه والدي رحمه الله بسبب عمله في التجارة وتعاملاته المتعددة مع تجار من دول مختلفة على هذا الجانب؛ ولربما لعبت والدتي دوراً مهماً في هذا الجانب نظراً لانصهارها في عدد من المجتمعات أيضاً؛ حيث إنني لم أسمع من والدي قط أي كلمة عنصرية أو طائفية. لا أبالغ أبداً.. ولربما كنت من المحظوظين بأنني ترعرعت في أسرة تؤمن بثقافة الاختلاف، ولربما كنت محظوظة أكثر بأنني نشأت في المحرق حيث لا مكان أبداً للعنصرية هناك.. أو هكذا أعتقد.
نشأت في فريج الشيوخ؛ وكان بيتنا ملاصقاً لبيت الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة وبيت بن مطر وعدد من العوائل البحرينية الكريمة، وعلى مقربة من هذا الحي فريج الصاغة والذي تسكنه عدد من العوائل الكريمة مثل»عائلة الصايغ، وعائلة الحايكي، وعائلة عون والسكران». وكان هذا الفريج ومازال يتداخل مع فريج البنعلي والذي تسكنه العديد من العوائل مثل عائلة آل بن علي، وعائلة كريمي وشهابي.. إلخ.
ولاشك في أن هذا التنوع ساهم في التأثير على شخصيتي التي تقبل وتتفهم الاختلاف وتؤكد على مبدأ التعايش.
لهذا أشعر بالحرقة عندما أسمع أماً تعلم أبناءها كره الآخرين بحجة الاختلاف، فمثلاً يأتي الابن من الخارج ويشتكي لأمه أن زميله ضربه فتقول الأم «والله لا أراويك فيه هذا الـ ........ ؛ يرده أصله.....» وأنا سأترك الفراغ للقارئ وكلي ثقة بأنه سيستطيع ملء الفراغ بسهولة ويسر.
وليس بمستغرب أبداً أن نسمع الابن بعد ذلك يكرر ذات الألفاظ.
فما دام الأهل يربون أبناءهم على ألفاظ طائفية وعنصرية فمن البديهي أن يقلدهم الأبناء.
وأتمنى من كل أب وأم تريد الاستثمار في أبنائهم أن يعملوا أبناءهم ثقافة الاختلاف وتقبل ا?خر؛ فكيف تريد أن يكون أبناؤك في المستقبل؟
هل تريدهم أن يكونوا منعزلين غير قادرين على التعامل مع ا?خرين بحجة اختلاف؛ أم تريد أن تعدهم للانخراط في المجتمع بسلاسة وسهولة؟
ولا أوجه خطابي هنا للأسر المتطرفة أو الأسر المريضة بداء العنصرية، ولكني أخاطب العوائل المثقفة الراقية المنفتحة التي تريد الاستثمار في أبنائها، أسر تريد أن تصنع من أبنائها قادة في المستقبل، أسر تؤمن بأن العالم متاح للجميع.