المسافة بين العمل السياسي السلمي والإرهاب مسافة طويلة وطويلة جداً، تفصل بين النقطتين محطات، لا وجه للتقارب أو المقاربة بينهما، مسافة لا تطيلها وتباعدها بيانات الإدانة كما يعتقد الجناح السياسي أو الإعلامي أو حتى الجناح الديني الذي أطلق سلسلة بيانات تدين الجريمة الإرهابية في سترة.
فمنذ التسعينات والإرهاب يضرب البحرين برعاية إيرانية تمويلاً وتدريباً وتنفيذاً، ومنذ التسعينات وحزب الدعوة يدين هذه الجرائم بخطاب يتراوح من سطر إلى صفحة كاملة، إنما منذ الألفين أي منذ اللحظة التي فتحت البحرين بابها للعمل السياسي المشروع وحتى هذه اللحظة والحزب يتسكع في الطريق الفاصل بين النقطتين جيئة وذهاباً، يقف عند محطاته المحرضة والممجدة والممهدة له.. وكافة أشكال الرعاية شاملة لمرتكبي هذه الجرائم الإرهابية جعلت المجلس العلمائي والوفاق وصحيفة الوسط أقرب إلى الإرهاب من حبل الوريد، فعن أي سلمية تتحدثون؟
دعم معنوي و دعم إعلامي ودعم مادي ودعم لوجستي داخل البحرين وخارجها لمرتكبي هذه الجرائم، فماذا استفدنا من البيانات التي لا تهدف إلا لإبعاد الشبهات.
رفعتم الإرهابيين فوق الأكتاف وأقمتم لهم الاحتفالات وقبلتموهم على رؤوسهم ومن أصيب أو مات منهم أثناء عمليتهم الإرهابية.. أقمتم لهم طقوس الشهداء وأبنتموهم كمن قضى في مهام جهادية، ثم تعتقدون بعد هذا كله أنكم بعيدون عن الإرهاب؟
كل من قبض عليه مظلوم عندكم، وكل من ثبتت إدانته، فاعترافاته أخذت بالتعذيب، كل من حكم عليه بعقوبة السجن معتقل وأسير، فهل هناك رعاية أكثر من هذه الرعاية للإرهاب؟
التفجير بمادة «السي فور» الذي أدنتموه.. ما حدث فجأة، بل سبقته سلسلة طويلة من حرائق استخدمت فيه مواد حارقة قاتلة اعتبرتموها أعمالاً سلمية، من أمسكها حينها وخرج بها من منزله متوجهاً بها لتجمعات رجال الأمن اعتبرتموهم أبطالاً مجاهدين، ألم تدفنوا حاملي المولوتوف الذين قضوا في المصادمات مع الأمن دفن الشهيد؟ ألم تقلبوا جثته على ظهره وبطنه تتلذذون بعرض صوره في المغاسل وتصورونه ضحية؟ ألم تقيموا له جنازات الشهداء؟ كان حامل المولوتوف كحامل المسك عندكم حينها؟ ألم تستنكروا القبض عليهم والتحقيق معهم؟ وجميعهم كانوا في طريقهم إلى الخباز أو بيت جدتهم أو هم مرضى أو رياضيون، أو حرائر لا يجب أن يطالهم القانون؟ الآن تتنكرون لمادة «السي فور»؟ ما الفرق بينها وبين مادة «الكيروسين»؟ حامل «السي فور» خرج من داره ليقتل بـ«السي فور» وحامل المولوتوف خرج بالكيروسين ليضيء به الشموع؟ أم أن قتل رجل أمن واحد جائز، وقتل اثنين في نفس الوقت حرام؟ كان «الكيروسين» محطة من المحطات التي تقود إلى الإرهاب.
14 رجل أمن قضوا قبل حادث سترة وأصيب 2300 منهم بعاهات 85 مستدامة، إنكاركم لهذه الجرائم هو ما غطى عليها، وتمجيدكم للمجرمين بعد قيامهم بجرائمهم هو ما منح المظلة لهم، ودعمكم المتواصل لهم بعد ارتكابهم جرائمهم هو الذي وضعكم أقرب إلى الإرهابيين والإرهاب من حبل الوريد، الآن تقولون موقفنا ثابت من الإرهاب؟!! كانت تلك محطات بتم ليالي فيها ولم تغادروها، تتشفون فيها على دماء سالت فوق الإسفلت وجثث دهست.. ادعيتم أنها دمى.
«أكبر النار من مستصغر الشرر»، حكمة ندرسها في الابتدائي وأنتم تجاهلتم حرائق البحرين التي رأى العالم شهبها، فهرع لإطفاء حرائقها معنا، وأنتم تنكرون حتى اللحظة وجودها وتعتبرونها مجرد مستصغر الشرر حتى وصلنا إلى «السي فور» و«تفخيخ السيارات».
أتعتقدون أن تلك كانت المحطات الوحيدة التي تسكعتم فيها بين العمل السلمي والإرهابي، بل حتى هذا الانفلات في الخطاب المتبادل في وسائل التواصل الاجتماعي استصغرتم شرره حين مجد وصفق مجلسكم العلمائي وشتم وشهر، وخاض في عرض البلد فرفعه فوق الأكتاف واستقبله استقبال الأبطال. بل وانحدر في غيه حين مجد الساقط واللاقط ورفع من شأنه، وبعضهم لديه قضايا أخلاقية ولديه ممارسات قبيحة يعرفونها كما يعرفون أكف أيديهم. فقط لأنه رفع شعار «القضية» أصبح تحت مظلة أكابر علماء الحزب، حينها ما عادت النار مجرد شرر، انخرطت المسبحة وسقط جدار الاحترام المتبادل فلا تلوموا بعدها هذا السيل من الشتائم والألفاظ القبيحة التي تطالكم حتى تحول «سماحة» إلى بابا سنفور.
هذه بعض من محطات الطريق الفاصلة بين العمل السياسي والإرهابي التي كان من المفروض أنكم تجنبتموها حتى حين تصدرون بياناً مندداً بالإرهاب.. نصدقكم.. فالإرهاب يدان من المبتدأ لا من الخبر.