«للشعب مطالب وحقوق»؛ هكذا يقول كل من تدخل معه في نقاش عن مشكلة البحرين من الذين يتخذون من الحكومة والوطن موقفاً سالباً، وهكذا يكتبون في «تويتر» و«فيسبوك» ويخاطبون العالم من منابر المساجد ومنابر المنظمات الدولية الرافعة لشعارات حقوق الإنسان، وأجيبهم ببساطة؛ لا أحد يقول إنه ليس للشعب مطالب وحقوق ولا أحد يقف ضد هذه المطالب والحقوق. المشكلة ليست هنا لأن الحكومة نفسها تقر بحقوق الشعب وهي ليست ضد مطالبه، وكذلك القيادة الرشيدة خصوصاً وأن هذا الأمر يشكل أساساً من المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، عدا أن الدستور البحريني يؤكد ويكفل كل هذه الحقوق.
لا أحد يقف ضد المطالب والحقوق، لكن ضد الطرق التي اعتمدها البعض للتعبير عن تلك المطالب والحقوق. لو كان لك حق عند شخص ما واخترت التعبير غير المناسب للمطالبة به فإن من الطبيعي ألا يستجيب لك، والأمر نفسه ستفعله أنت مع من يتخذ طرقاً غير لائقة ليطالبك بحقه الذي لا تنكره، فكيف هو الأمر مع الحكومة والدولة؟
اختيار الطريقة مسألة أساسية في الحصول على الحقوق. لا توجد حكومة في العالم توافق على إعطائك ما تريد وأنت تشتمها وتخرب إنجازاتها وتسيء إلى سمعتها وتضع يدك في يد الأجنبي وتنادي بإسقاطها وإسقاط النظام الذي تمثله، ولا توجد حكومة تقبل أن تدخل معك في حوار وأنت تعبث بالأمن وتعرض حياة المواطنين والمقيمين والزائرين للخطر في كل ساعة ولايزال عقلك دون القدرة على استيعاب أن «زحفك» نحو مكان كان قد شهد حدثاً معيناً ذات يوم يمكن أن يتسبب في أذى الأبرياء.
المشكلة إذاً ليست في المطالبة بحقوق معينة أو المطالبة بتوسيع التجربة الديمقراطية التي من الطبيعي أن تتوسع وتتطور أو غير هذا، المشكلة هي في طرق المطالبة بالحقوق وبإيجاد هامش للشك في التعاون مع الأجنبي الذي هو في كل الأحوال لا يريد خيراً للبلاد ولا للمطالبين بالحقوق، والذين يعتبرهم مجرد أدوات يستفيد منها في مرحلة معينة تقربه من تحقيق أهدافه.
لولا أن الحكومة تشك في سلوك إيران مثلاً لما وضعت علامة استفهام على العلاقة بينها وبين بعض المطالبين بتلك الحقوق، ولولا أن الحكومة وضعت يدها على ما يكفي من أدلة على تورط إيران في دعم ذلك البعض لما اتهمتها أو اتهمت «المعارضة» بالتعاون معها. لو شعرت الحكومة أن الأمر لا يعدو مطالبات بحقوق لا تنكرها لما وقفت في وجه المطالبين بها، ولو أنها لم تجد في الواقع ما يؤكد ذلك الشعور لتمكنت من حل المشكلة منذ زمن، فطالما أن المشكلة داخلية فإن حلها لا يكون صعباً. الصعوبة تأتي من ارتباط البعض بالخارج والاستقواء به.
القصة إذاً تجاوزت مسألة المطالبة بحقوق معينة وتجربة أنظمة جديدة لتطوير العلاقة بين الحكم والشعب وتجاوزت كل ما هو مشروع ودخلنا لأسباب كثيرة مرحلة تغيرت فيها القصة وصار لزاماً تغيير طرق المطالبة وإيجاد جسر بين مختلف الأطراف والعمل على إيجاد الثقة التي من دونها لن نصل إلى شيء أبداً.
لا أحد يقف ضد المطالب المشروعة وضد الحقوق، ولكن للمطالبة أصول وسبل وأبواب حضارية يمكن طرقها وهي اليوم متوفرة في بلادنا، ويمكن من خلالها الحصول على كل أو على الأقل جل المطالب والحقوق وإحداث كل تغيير يريده الشعب. كما أنه لايزال بالإمكان استغلال أبواب الأعراف والعادات والتقاليد بل هي أفضل من كل الأبواب الحديثة، فالكثير من المطالب والحقوق يمكن نيلها من خلال جلسة قصيرة مع القيادة التي لم يصدر عنها أبداً ما يفهم منه أنها ضد المواطنين أو ضد مطالبهم وحقوقهم.