إن الفهم الخاطئ للنصوص القرآنية والسيرة النبوية وسيرة آل البيت والصحابة الأطهار، وجهل الكثير من العامة بأمور دينهم وعقائدهم، دفع بولادة مسخ من القيادات تقمصت دور علماء الدين وتبنت وأحدثت عقائد وأفكاراً مشوهة عن الدين وغاياته النبيلة. وتم بهم تشكيل جبهة عريضة من الشباب المغرر بهم؛ فغرسوا فيهم كل أشكال الإرهاب وأحلوا المحرمات وصولاً إلى تكفير وقتل المخالف باسم الله تارة وتارة محبة لرسوله أو ثأراً لإمام أو طاعة وانقياداً لمرجع أو رجل دين.
وجرى ذلك على كل المذاهب دون استثناء، ومما ساعد على انتشار تلك الأفكار غياب دور التوعية والتعليم وإعلام الدولة ومؤسساتها، نزولاً إلى التفكك القبلي والعشائري، وانصراف العائلة عن أخذ دورها في غرس الفكر المعتدل المتزن في النشء، مما جعلهم لقمة سائغة لاختراقهم وتجنيدهم، ومن ثم سوقهم كالقطيع.
فالخطأ الجسيم الذي وقعت فيه كثير من الدول والأحزاب أن قسماً منها ركز في أيديولوجياته على الولاء للقومية والوطن والحزب بعيداً عن الدين، مما خلق فراغاً نفذ منه أعداء الوطن مسخرين دعاة الضلالة ومدعي الدين.
وأخرى تبنت فكرة تغليب المذهب والدين المشوه وبمنظور ضيق والولاء لهما والموت دونهما، وتغييب وطمس الولاء للأوطان والتعايش مع الإنسان، وزرعوا في نفوس أتباعهم نهجاً ما أنزل الله به من سلطان، وبأن أي بلد ووطن وحكم لا يتماشى مع معتقدهم ونهجهم هو بلد كفر وضلال يجب مقاطعة ثم مقاتلة ولاة أمره وأهله، وإن تعذر ذلك فمغادرته والبراءة منه، ذلك التخبط والانحراف هو من خلق كل تلك الأجواء الإرهابية التي تعيشها مجتمعاتنا اليوم.
لقد بسط الله الأرض وخلق فيها كل المقومات ثم أمر بهبوط آدم وزوجه إليها واستعمرهم فيها، وبدأ بعدها التكليف وإرسال الرسل تترى، فالأوطان هي ما تبنى أولاً وهي مصدر قوة للأديان، أما الأديان فهي عامل استقرار وسبيل ومنار للإنسانية.
فلا يوجد في تعاليم أي مذهب أو دين ما يحرض على حرق الأوطان وهدر الدماء والإفساد، إلا في نفوس من تربعت الشياطين في جنباتهم ولوثت عقولهم.
فالتوجهان المسخان المتناقضان؛ إما الولاء للوطن دون الدين أو الولاء للدين والمذهب دون الوطن، هما جناحان وقوتان للشر متعاكستان لا يطير بهما طائر أبداً ولا يستقر بهما وطن ولا يستقيم بهما دين. ونجح الأعداء من اختراقنا بغفلة واستغلوا جهل الأمة بدينها. فالحرب المستعرة اليوم تختلف عن كل الحروب السابقة، فهي تدار في مسار أفقي وليس عمودياً ودون وجود لجيوش الأعداء، فالحروب داخلية؛ بمعنى آخر هي حرب أقطار، فكل قطر تستعر الحرب من داخله وبدرجات متفاوته ويشتغل بها دون أن يكون له أي وقت بالالتفات لجاره، وسينتقل ذلك السعير كما تنتقل النار في الهشيم لباقي دول المنطقة.
ومحور كل تلك الحروب ومحركها اليوم هو الفرقة واستغلال مذاهب الدين الواحد والولاء للطائفة وسلخ الوطن عن الدين، بل بث التناحر بين طوائف الدين الواحد وصولاً إلى التناحر بين أبناء الطائفة الواحدة، وهكذا فستزيد حدة الحروب وستكون نتائجها كارثية وسيعم الخراب مادام هنالك جهلة من القوم ممن يعتقدون أن نصرة المذهب واتباع وتقديس فلان سيقودهم إلى الجنان، حتى وإن غدر بالأهل ومزق الأوطان.
إن سكوت علماء وعقلاء الأمة وقادتها ليس له ما يبرره، فمن يبرر أن السكوت هو حلم وحكمة وسياسة متزنة فهو واهم، فاليوم السكوت أصبح جرماً وضعفاً مكن منا السفهاء والجهلاء والأعداء.
ما يحدث اليوم في البحرين من خرق خطير في أمنها واستقرارها وتحت نفس الهدف الذي أسهبنا في أعلاه، خرج عن سياق المألوف ودخل مرحلة تقرير المصير، ولن يتم احتواؤه وقبره أبداً بجمع وتوقيع البيانات والدعوة إلى المسيرات وكافة أشكال الاحتجاجات مع أهميتها مرحلياً.
فمرحلة تدحرج الإرهاب صوب البحرين بدأت تتكور ككرة الثلج المنطلقة من أعالي جبال الشر، ولابد أن يتم حرف مسارها أو وضع المصدات لتفتيتها. فالخيانة وما يصاحبها من لغة النار لا يطفئها جعجعة الكلام ولا كثرة الاستنكار ولا التحاور في الإعلام ولا في غرف الأخبار، فقد جربت قبلنا أمم ودول تلك الطرق إلى أن غرقوا في مستنقع الإرهاب لأذقانهم. فلن يرتدع الخونة والعملاء والقتلة إلا بعد أن يروا بأم أعينهم سيف الحق وقد أخرج من غمده، ولا يعود إلا بعد أن تعود الأمور لنصابها.
وفي الختام إخوتي؛ فميزان الإيمان هو ما استقر في قلبك من حب الله وعباده والولاء للدين ثم الأوطان، وبعكس ذلك فإن ما استقر في قلبك هو نزغ من الشيطان، فأعد رعاك الله كل حساباتك قبل فوات الأوان.