^ كم كنَّا نتمنى أن لا تُجرجر الرياضة بكراتها وتمريراتها وأهدافها باتجاه الساحة السياسية في البحرين؛ لأن الرياضة هي المحطة الوحيدة التي بإمكانها أن تجمع كل الناس وكل الأطياف وكل المذاهب والمعتقدات، وهي العنصر المشترك القادر على تنمية الطاقات الشابة وتطوير وتهذيب مهاراتها وقدراتها الجسدية والذهنية. في ألعاب الرياضة تنتفي قوانين اللعبة السياسية، وفيها لا يمكنك أن تفصل بين المذاهب والطوائف والألوان والأعراق والأجناس. بل هناك تجد الجميع تحت مظلة كبيرة اسمها (الرياضة) دون أدنى تمييز أو تفرقة بين عرق وعرق أو طائفة وأخرى، وهذا ما أكدت عليه المادة الثالثة من لائحة الفيفا، والتي أقرت بعدم جواز التميز والتحيز العنصري، إذ جاء في نص المادة (التمييز من أي نوع ضد بلد أو شخص أو جماعة أو شعب بسبب العرق، الجنس، اللغة، الدين، السياسة، أو لأي سبب آخر يمنع بشدة ويعاقب عليه من بالحرمان المؤقت أو الطرد..). إن رفع أي شعار سياسي أو ديني أو عنصري في الملاعب والساحات الرياضية في أوروبا، يكلِّف فاعلها ورافعها عقوبات غليظة وقاسية، لهذا استطاعت القارة العجوز في أن تفصل الرياضة عن السياسة بجدارة واقتدار، وبهذا الحزم نجحت في أن تصل للعالمية وتطوِّر كل الألعاب الرياضية بمنأى عن السياسة وخبثها، فكان لها ذلك. هنا، ولكي نصل إلى العالمية وإلى تطوير الرياضة في البحرين، يجب الحديث عن ثلاثة عناصر فاعلة في هذا التوجه، وكله يحمل شعاراً واحداً فقط، ألا وهو فصل الرياضة عن السياسة. العنصر الأول هو الجمهور، وهنا تكمن أهمية الحديث عن ضرورة أن يبتعد الناس ومشجعو كل الألعاب الرياضية عن السياسة ورفع شعاراتها في الملاعب والصالات وكل المحافل الرياضية المختلفة، حتى يمكن لكل إنسان محب للرياضة، أن يشجِّع ما يحب من الألعاب والفرق الرياضية دون وجود أدنى حساسيات دينية بين المقاعد، وحتى يتمكن السني والشيعي والمسيحي واليهودي من متابعة هواياته وألعابه بحرية مطلقة، دون منغصات سياسية وطائفية، خصوصاً في المسابقات الدولية التي ترفع اسم الوطن. العنصر الثاني، هم الرياضيون أنفسهم، إذ ينبغي على هذه الشريحة أن تنأى بنفسها عن دخول المعارك والمواقف السياسية، وذلك حين تقوم بممارسة دورها في الساحات الرياضية، ولكي تُعطي هذه الشريحة المثل الأعلى في الحب والإخلاص والتفاني وإذابة كل الحواجز العرقية والمذهبية والطائفية، ليلتقوا جميعاً على حب الرياضة وقبل كل ذلك يلتقون على حب الوطن، يجب أن يكونوا رياضيين فقط. أما العنصر الثالث الذي بإمكانه إدارة اللعبة الرياضية بعيداً عن لغط السياسة ومعاركها الفجَّة، هي الجهة الرسمية التي تدير الرياضة في البلاد، والتي نعني بها تحديداً (المؤسسة العامة للشباب والرياضة). إن للمؤسسة العامة دوراً بارزاً ومفصلياً في رسم الخطوط الفاصلة بين ما هو رياضي وبين ما هو سياسي. كما يجب عليها أن تقوم بحملات توعوية بين الجماهير عامة، وفي الملاعب والصالات الرياضية بشكل خاص، لتقول للناس، أن بإمكان الرياضة أن تصلح كل ما أفسدته السياسة، وهذا لن يكون حين تندمج وتختلط كل تلك المفاهيم السياسية والرياضية في المدرجات وبين الشعارات وفي أذهان الجمهور. يجب على المؤسسة العامة للشباب والرياضة أن تضطلع بدور حاسم في توعية الجمهور بأهمية كون الرياضة نقية حين تبتعد عن خطوط السياسة ومعاركها التي لا تنتهي ولا تتوقف، كما يجب عليها أن تقوم بمجموعة من الأعمال المهمة، والتي من خلالها يمكن أن تزيل هذا الاحتقان الحاصل في بعض مختلطات الرياضة والسياسة، خصوصاً في أوساط الشباب والناشئة من الصغار الذين انجروا عنوة نحو السياسة بفعل سيطرة السياسيين على مداخل ومخارج كل الساحات، حتى تكاد الرياضة تنطمس اليوم، لو استمر غيابها لفترات أطول، لتكون بعدها محنة المحن في عالم الرياضة. .. وللحديث بقية