أحمد خاتمي خطيب جمعة طهران استغل خطبته الأخيرة لمهاجمة البحرين والسعودية، فقال عنهما ما طاب له قوله وانحاز لمعلومات وصلته من طرف واحد من الواضح أنه لم يكلف نفسه عناء التأكد من صحتها. قال كل ما قال لأنه يعلم أن قوله سيعجب جمهور المصلين فيثنون عليه ويرضى عنه الأسياد. قال ذلك لأنه يعلم أنه لو لم يقله لانفض المصلون من حوله ولصدرت الأوامر من أعلى باستبداله، وإلا ما علاقة البحرين والسعودية واليمن بخطبة الجمعة التي لها أصولها وقواعدها ويفترض ألا يكون لها علاقة بالسياسة الإقليمية والدولية على الأقل؟
خاتمي وصلته معلومات من مجموعة تتخذ من وطنها والحكومة موقفاً سالباً، فاعتبرها صحيحة مائة في المائة وبنى عليها خطبته، بل إنه استخدم نفس العبارات والألفاظ التي تعتمدها تلك المجموعة في الترويج لتلك المعلومات، وهذا خطأ لا ينبغي أن يقع فيه عالم دين، حيث المنطق يقضي أن يتأكد من المعلومة قبل أن يرددها ويتخذ بناء عليها موقفاً وأن يسمع من الطرف الآخر وإلا انتفت منه صفة العدالة التي يلزم أن تكون من صفات خطيب وإمام الجمعة.
الواضح أن دخوله كعالم دين في السياسة جعله يتخبط، ولأنه يخطب في طهران، في إيران، وينتمي إلى نظام لا يسمح له أن يعبر عن قناعاته وآرائه الشخصية وإلا صار مصيره السجن، لذا كان من الطبيعي أن يأتي رأيه مطابقاً لرأي حكومته ومرشدها وسبباً في ارتياح الجمهور الذي جاء ليسمع منه هذا الكلام وليس كلاماً آخر.
خاتمي تحدث عن سجن بعض العناصر التي تورطت في قضايا معينة هنا، ولم ينتبه إلى أن أعداد المساجين في إيران -وكثير منهم بسبب آرائهم- يفوق عدد سكان البحرين، وتحدث عن العدل ولم ينتبه إلى أن إيران تعدم شهرياً وبطرق بشعة أعداداً من البشر جلهم من الأحوازيين الساعين لنيل حقوقهم واسترداد وطنهم، وتحدث عن اليمن ولم ينتبه إلى أن إيران هي سبب كل مشاكله وكل ما جرى ويجري على هذا البلد العربي الأصيل من أحداث، وانتقد المنظمات الدولية لحقوق الإنسان فقط لأنها لا تقول بكل ما تقول به طهران ولا تنحاز إليها بالشكل المطلوب.
ولأن خاتمي يعلم أن جمهور المصلين سيرتاح من عبارات مثل «دماء الشهداء ستكون سنداً لانتصار الشعب المظلوم» و»هذا البلد تحول إلى سجن كبير» و»المسلمون هنا أو هناك يتعرضون للتعذيب والقتل» و«المجازر التي ترتكب بحق الأبرياء»، لذا ركز عليها وحرص على أن تصل بدقة إلى آذان ذلك الجمهور وجمهور المتابعين للفضائيات في بيوتهم، تماماً مثلما حرص على استخدام ألفاظ من نوع «الاستكبار العالمي والشعوب المظلومة وهذا النظام الجلاد» وغيرها كثير.
لنتصور أن هذا الخطيب أو غيره لم يقل هذا الذي أريد منه قوله في خطبة الجمعة، كله أو بعضه، فكيف سيكون موقف النظام الإيراني منه؟ وكيف ستكون أحواله بعد الخطبة؟ وأين سيكون محله الجمعة التالية؟
هذا سؤال يغيظ بالطبع كل مولع بالتجربة الإيرانية، لأنه يعتقد أن هذا النظام لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه ولا من أي جهة، تماماً مثلما أن جمهور المصلين هناك يعتقد أن كل ما يقوله خطيب جمعة طهران صحيح مائة في المائة ولا يقبل النقاش، وأنه بسبب هذا وبسبب الشحن الذي يتعرض له يومياً على استعداد لاستبدال عبارة «الموت لأمريكا» بعبارة الموت لهذه الدولة أو تلك التي يتناولها الخطيب بسوء، وتماماً مثلما أن خطيب الجمعة يعتبر كل ما يصله من تلك المجموعة الرامية إلى تشويه سمعة البحرين والسعودية دقيق ولا يحتاج إلى تيقن.