هناك معادلة تقول بأن «معول الهدم» من الاستحالة أن يكون «أداة بناء»، حتى لو سعى وحاول، فإن محاولة التحول هذه ستبوء بالفشل لا محالة، لأن العملية ليست مرتبطة بتغيير شكل أو ارتداء قميص بدل آخر، بل العملية معنية بالقناعات والقيم التي يؤمن بها الفرد.
من كان إيمانه بالعنف فمن الاستحالة أن يدعي يوماً بأنه يسعى للسلام!
وأيضاً، من كان ولاؤه للخارج من الصعوبة أن يقنع الناس والعالم بأن ولاءه للداخل، خاصة وإن كانت هناك شواهد وأدلة تثبت ذلك.
لكن بالحديث عن الدولة، ما تحتاجه هي وأي دولة أخرى، هي تلك الأدوات التي تسهم في بنائها، ليس بناء صخرياً وحجرياً، بل نتحدث عن بناء لمنظومات وحراك يقودها للتقدم، بناء معني بالثوابت والقيم والمبادئ التي تجعل المجتمعات راقية بأناسها وممارساتها.
أنت بين خيارين كإنسان، إما أن تكون «أداة بناء» أو تكون «معول هدم»، بالنسبة لدولتك وانتمائك أو حتى بالنسبة لكثير من الأمور التي تؤمن بها كمبادئ وقيم، وحتى ممارسات يومية. أنت بيدك أن تحدد كيف يكون دورك تجاه كل شيء.
الخوض في المزاج العام لدى الناس، وسبر أغوار الشارع، ومعرفة توجهات البشر، مثل الخوض في محيط لا قعر له، يتعب جداً من يحاول التجديف فيه بذراعين عاريتين، وحتى من يركب أقوى المراكب قد تخون مهارته تقلبات الطبيعة. لكنها تبقى مادة دسمة للدراسة.
في هذا المحيط يمكن أن تحدد حتى من ناحية الأسلوب والتعامل مع المتغيرات، من هو المؤمن بأنه «أداة بناء» ومن هو يقوم بدور «معول الهدم»، ومن يقوم بالدور الأخير وهو مدرك لذلك، ومن هو يقوم به بدون وعي وإدراك وبلا قصد.
حتى في شأن الانتقاد الذي تمارسه الصحافة، ويمارسه الناس اليوم بشكل واسع على امتداد وسائل التواصل الاجتماعي، هناك نقد يمارس بأسلوب «البناء»، بهدف التصحيح، بهدف المساعدة في إبدال الواقع السلبي إلى آخر إيجابي، بهدف وضع اليد على الجرح ومعالجته، واقتراح أساليب العلاج. لكن في المقابل وللأسف هناك نقد بهدف النقد لا شيء آخر، بهدف كسب الأصوات، وبناء الجماهيرية، واستعراض القوة الكلامية من خلف «كيبورد» أو شاشة، لكنه للأسف لا يقود لشيء، إلا لتهييج الناس أو تعقيد أي مسألة. هذا نوع ملاحظ بدأ ينتشر، نتائجه تقاس بتصاعد نسبة الإحباط وكثرة الخطاب السلبي، وبدء التشكيك بالمنظومات وحتى بالدولة.
لذلك نقول، بأن تحديد الأولويات وتثبيت منظومة القيم لدى كل فرد، هي الخطوة الأولى التي يبني عليها ممارساته وينطلق بها. إن كان هدفي الدولة والصالح العام، فيجب أن أعمل بأساليب تساعد الدولة على التصحيح والإصلاح، تساعد الدولة على محاربة الخطأ واقتراح ما هو صحيح، يجب أن ألعب دور الطبيب الذي «يشخص» المرض ويصف له العلاج، مع الإدراك بأنه في نفس الوقت هناك أطباء آخرون لهم تشخيصهم أيضاً ولهم علاجاتهم، لكن المهم أن أقوم بدوري في الإصلاح والبناء.
أما من يظن بأن البطولة في النقد اللاذع المستمر بهدف النقد وبهدف كسب هتاف الجموع، حتى وإن اضطره لمحاربة الدولة وكل شيء فيها، حتى الأشياء الإيجابية الجميلة، فهو يخطئ في حساباته، هو يتحول للأسف إلى «معول هدم» بقصد أو دون قصد، جهده لا يخدم بقدر ما يضر.
هنا نتحدث عن خطورة تحول المواطن المحب لبلده، المتمسك بقيمه وثوابته إلى «معول هدم» بدل لعبه دوره المطلوب كـ»أداة بناء»، ولسنا نتحدث عن أولئك الذين هم بحسب أهدافهم وأجنداتهم «معاول هدم» معدة بعناية وقصد، هدفها هدم هذه الدولة وكل إيجابي فيها، هدمها وإحالتها إلى دمار ورماد، هؤلاء مكشوفون منذ زمن، ويخطئ من يحاول تصويرهم على أنهم عناصر في المجتمع تريد خيره وصلاحه.