حين عقد وزير الصحة مؤتمره الصحافي قبل أيام، كان الهدف منه تضليل الرأي العام حول طريقة تدريب وليس توظيف الأطباء البحرينيين، وذلك في منهج مخالف لسياسة الدولة وتوجيهات سمو رئيس الوزراء الذي أمر باحتضان الكوادر البحرينية العلمية وعلى رأسهم الطبيب البحريني.
في الأسطر القادمة، سنطرح على سعادة وزير الصحة والوكيل، وكذلك رئيس قسم التدريب، مجموعة من النقاط الحساسة في ملف الأطباء البحرينيين وحول طبيعة تدريبهم بعقود مؤقتة وغير قانونية.
بداية يجب أن يعلم الرأي العام أن العقود المؤقتة لن تنتهي بالتوظيف أبداً، وأنها لا تحتوي على تطور وظيفي أبداً، فالطبيب المتدرب يحصل على مكافأة شهرية -وليس راتباً- طوال الخمس سنوات والتي هي فترة التدريب، كما أن العقود المؤقتة مشروطة بعدد من الشروط غير المتوفرة في أنظمة ديوان الخدمة المدنية، وهي بالتالي تسهل عملية «طرد الطبيب» من طرف إدارة التدريب، ولذا من الوارد جداً أن يتم طرد عدد كبير من الأطباء المتدربين بعد فترة قصيرة تحت أي حجة، وعليه ستتولد بطالة جديدة «مقنعة» وسيكون الطبيب معلقاً، إذ إن العقود التدريبية المؤقتة لا توجد فيها بنود تدعم حتى وجود الطبيب المتدرب طوال الخمس سنوات من أجل أن يحصل على شهادته التخصصية.
خلال المؤتمر الصحافي نفى الوزير أن يكون قد وعد الأطباء البحرينيين بالتوظيف، بينما نسي معاليه أنه وعد ممن اجتمع معهم من الأطباء بهذا الأمر، أسوة بذات الدفعة التي تم توظيفها من دفعة 2012، ويمكن للوزير أن يعود للتصريحات التي أدلى بها للصحف المحلية وحتى لوكالة أنباء البحرين. الصدمة الكبرى أن أطباء 2012 سوف يدمجون بالدفعة اللاحقة، وهذا يعني أنهم سوف يقومون بتقديم اختبارات القبول والمقابلة من «جد وجديد» بينما هم تجاوزوا هذه الخطوة بنجاح، وعلى الرغم من هذه المحنة، إلا أنه لن يتم توظيفهم بشكل قانوني بل سيتم تطبيق برنامج العقود التدريبية المؤقتة على هذه الدفعة المطحونة.
من أبرز مثالب العقود التدريبية المؤقتة هنا، هو احتساب إجازة الوضع وساعتي الرضاعة والإجازات المرضية من ضمن الإجازة السنوية، على عكس ما هو معمول به عبر قوانين وزارة العمل وديوان الخدمة المدنية، وحجتهم في ذلك أن ما يخضع له الأطباء هو تدريب وليس توظيف!
وما قالته وزارة الصحة في المؤتمر الصحافي أن راتب المتدرب سيكون 1200 دينار، وربما يكون هذا المبلغ في نظر البعض كبيراً جداً، ولهذا حاولوا في مؤتمرهم التركيز على هذا الرقم، لكننا لو عرفنا أن مجموع ما يحصل عليه الطبيب الحالي، سواء كراتب أساسي أو من النوبات «الكولات»، يفوق ما يحصل عليه الطبيب المتدرب من مكافأة شهرية، على الرغم أنهما يؤديان ذات العمل ولهما ذات المهام الوظيفية، «وبحسبة سريعة» سيكون فارق الراتب عن زملائهم من المتدربين نحو 500 دينار، وربما يصل الفرق في نهاية السنة الخامسة المؤقتة نحو 1500 دينار. ومن المعروف أيضا في هذا المجال، أن البنوك والشركات لن تستطيع إعطاء «المتدرب» أية تسهيلات مصرفية أو مالية على شكل قروض وغيرها، وبهذا لن يكون هنالك استقرار اجتماعي لهذه الشريحة من الأطباء، فهل تقبلها على»عيالك» أيها الوزير؟
يقول الأطباء الذين طلبوا منهم التوقيع على العقود التدريبية المؤقتة بأن ليس هناك أية تفاصيل واضحة عن طبيعة هذه العقود، كما أن هنالك الكثير من الأسئلة التي لم يجب عليها المسؤولون بصورة واضحة وشفافة خلال الاجتماع الذي عقد مؤخراً في السلمانية، وخصوصاً الأسئلة المتعلقة بمستقبلهم بعد الانتهاء من العقد التدريبي، كما يؤكد هؤلاء الأطباء بأن فكرة العقود التدريبية المؤقتة ما هي إلا التفاف واضح من وزارة الصحة من أجل عدم توظيفهم كغيرهم ممن سبقوهم من أقرانهم الأطباء الحاليين، وهذا يدل على أن وزارة الصحة لم تقم بعمل خطة مدروسة لهذه الفكرة التي يراد منها تدريب أكبر عدد من الأطباء ثم التخلص منهم بأسرع فرصة متاحة وممكنة.
يؤكد كل الأطباء، وحتى أهل القانون من المحامين، بأن الأطباء الحاليين العاطلين من دفعة 2012 قد توافرت فيهم كل شروط التوظيف الطبيعية وليس «التدريب»، وهي ثلاثة شروط؛ أولها حصولهم على البكالوريوس في الطب البشري من جامعات معتمدة لدى الدولة، وثانيها هو إتمامهم سنة الامتياز، وأخيراً حصولهم على الرخصة الطبية، وهذا يكفي لتسكينهم في الدرجة الخامسة بعقود دائمة، ولذا يظل حديث وزير الصحة بأن خطتهم من العقود التدريبية المؤقتة هو من أجل تدريب الأطباء الحاليين «نكتة» ظريفة.
ملخص الأزمة يا معالي الوزير هو أن الأطباء ليس لهم تقدير، كما ليس لهم أمن وظيفي ومعيشي، ناهيك أن برنامجكم التدريبي المؤقت يعتبر إهانة لأهم شريحة من أبناء البحرين من الذين أفنوا حياتهم بين العلم والبحث والكتاب والدراسة، فكان جزاؤهم يا سعادة الوزير أن تعاملوهم بهذه الطريقة غير الإنسانية والقانونية.
نستطيع أن نقول بأن أخطر ما في مشروع الصحة الحالي هو إطلاق تسمية «متدربون» أو «أطباء حديثي التخرج» على هؤلاء الأطباء، بينما في الواقع هم يعتبرون أطباء رسميين منذ نحو ثلاثة أعوام، فما قيمة تدريب المُدرَّب يا سعادة الوزير غير إضاعة الوقت والمال؟ الأدهى من كل ذلك أن وزير الصحة قال للأطباء: إذا انتهى عقد تدريبكم بنجاح سنحاول إيجاد شواغر لكم، أو عليكم أن تبحثوا حينها عن وظائف في المستشفيات الخاصة!