المقالة التي نشرها أخيراً وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، في صحيفة «السفير» اللبنانية أثارت ردود فعل وتعليقات ربما لم يتوقعها، ففي الوقت الذي نظر فيه المسؤولون من ذوي العلاقة إلى ما احتوته تلك المقالة من تناقضات وارتابوا من مضمونها والهدف وتوقيت النشر، أفصح مواطنون خليجيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن استهجانهم لما ورد فيها، فقالوا مثلاً «لو كان ظريف جاداً في مقالته فلم لا يطرح مبادرة لإنهاء احتلال بلاده لجزر الإمارات الثلاث التي تحتلها منذ نحو أربعة عقود.. هذا هو طريق حسن الجوار» و»تاريخ إيران بحكوماتها المتعاقبة لم ولن تنظر للعرب خاصة الخليجيين إلا بفوقية واستعلاء شعوبي عنصري مؤدلج وستبقى ما بقي نظامهم» و»هذا مثل من يبادر بضربك ثم يقول لك قف لنتفاهم وبدون اعتراف أو حتى اعتذار» و»من يصدق ملالي إيران فهو بحق ساذج.. الحزم وحده لغة التعامل مع إيران»، وغيرها من تعليقات سعى أصحابها إلى إظهار التناقض بين أقوال إيران وأفعالها.
من بين ما دعا إليه وزير خارجية إيران في مقالته «احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول واستقلالها السياسي وعدم انتهاك حدودها، الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تسوية الخلافات سلمياً، منع التهديد أو استخدام القوة، والسعي لإحلال السلام والاستقرار وتحقيق التقدم والسعادة في المنطقة».
أما الجواب عن كل ذلك فيكون بتوجيه هذه الأسئلة؛ هل يعتقد ظريف أن دول التعاون مثلاً هي من لا تحترم سيادة ووحدة تراب الدول الأخرى واستقلالها ومنها إيران؟ هل يعتقد أن هذه الدول هي التي تنتهك حدود غيرها وحدود إيران؟ هل يعتقد أنها تتدخل في الشؤون الداخلية لإيران؟ وتهدد بلاده باستخدام القوة؟ وتسعى لزعزعة الاستقرار وحرمان المنطقة من السعادة؟
إذا كان ظريف يعتقد بهذا فإنه من دون شك مخطئ وغير مستوعب لما تقوم به بلاده في المنطقة وما تخطط له، فالدولة التي لا تحترم سيادة ووحدة تراب جيرانها في المنطقة هي إيران، والدولة التي لا تعترف بالاستقلال السياسي لجيرانها وتعشق انتهاك حدودها هي إيران، والدولة التي تتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها هي إيران، والدولة التي توظف كل قدراتها الإعلامية لإضعاف جيرانها هي إيران، والدولة التي لا تريد تسوية الخلافات مع جيرانها سلمياً هي إيران، والدولة التي تعتمد سلاح التهديد باستخدام القوة هي إيران، والدولة التي لا تستطيع أن تعيش في أجواء السلام والاستقرار ولا تريد للمنطقة التقدم والسعادة هي إيران، والدولة التي تتسبب في توتر المنطقة وأسست لغياب الثقة هي إيران وليس غير إيران.
هذا يعني أن مقالة ظريف مليئة بالتناقضات والمغالطات، وبالتالي لا يمكن لأحد من المسؤولين بدول التعاون أن يعتبره أساساً يمكن أن يبنى عليه ليكون سبباً في بداية تفاهم مفقود في المنطقة سببه إيران وملالي إيران.
ما ينبغي أن يعلمه ظريف جيداً هو أن التعاون مع إيران لمحاربة الإرهاب والتطرف لا يمكن أن يتم لسبب بسيط هو أن من يمارس الإرهاب ويمارس التطرف هي إيران، وأنها هي سبب كل هذا الذي يحدث في المنطقة وسبب عدم استقراره. أما اليمن التي ضرب بها المثل واعتبرها نموذجاً جيداً للخوض في ما أسماه «مباحثات جدية»؛ فإن إيران هي سبب أغلب مآسيه، وحل مشكلته يكون بابتعاد إيران عنه والتوقف عن التدخل في شؤونه الداخلية.
كان الأجدى بوزير خارجية إيران توجيه رسالته هذه إلى إيران وملاليها وليس إلى دول مجلس التعاون التي تعرف الأصول وتراعيها، فوحدها إيران التي لا تحترم حق الجار ولا تتردد عن الإساءة إليه.