في جلسته الأخيرة؛ اعتبر مجلس الوزراء المحرضين على ممارسة العنف والمساندين لهم شركاء بالجريمة. والمجلس وإن اتخذ من حادث سترة الذي راح ضحيته اثنان من رجال الأمن وجرح فيه ستة آخرون مثالاً كونه الأحدث والأخطر؛ إلا أن المقصود هنا هو أن المحرضين والمساندين لأي فعل ينتج عنه ضحايا وتخريب يعتبرون شركاء في الجريمة، بل إن دور هؤلاء أخطر من دور المنفذ الذي تنحصر مهمته في وضع اللمسة الأخيرة، فلولا التحريض والشحن والعمل على غسل الأدمغة لما أقدم المجرم على فعلته، ولولا حصوله على المساندة اللازمة والدعم لما تمكن من تنفيذها بالدقة المتوخاة وفي الوقت المحدد.
ولأن التحريض يتم عبر وسائل عديدة لذا فإن من الطبيعي أن تعمل السلطة على التحكم في تلك الوسائل بغية «دحر التحريض» ومن ثم منع تنفيذ تلك الجرائم، والتحكم هنا لا يكون إلا بإيجاد القوانين والأنظمة التي ينتج عن مخالفتها التعرض لعقوبات يفترض أن تكون رادعة كي يمتنع من يفكر في القيام بهذا العمل عن القيام به.
التحريض من على المنابر الدينية خطير، بل خطير جداً، لأن معتليها مؤثرون في كل الأحوال، خصوصاً في بلداننا، حيث لمرتدي العمائم تقدير خاص وثقة لا يحظى الآخرون بها، وكذلك التحريض من خلال الندوات السياسية والحقوقية، لكن هذه المنابر على خطورتها لم تعد الأخطر، فاليوم تتوفر العديد من الوسائل التي يمكن التحريض من خلالها والتأثير في المتلقي بشكل أكبر وتحويله بسرعة إلى أداة طيعة يمكنها تنفيذ كل ما يطلب منها بسهولة، ولعل أبرز تلك الوسائل وسائل التواصل الاجتماعي التي يمكن من خلالها الهمس في الآذان في أي وقت من الليل والنهار وممارسة التحريض بكل أشكاله، وكذلك الفضائيات التي تعمل على مدار الساعة وتوصل كل ما يقال من على تلك المنابر وفي وسائل التواصل الاجتماعي بالصوت والصورة الملونة «طبعاً لا يمكن إغفال مسألة استغلال المنابر ووسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات لتوصيل رسائل سرية لا يستطيع فك شفرتها إلا من تم توجيهها إليه».
من يقوم بفعل التحريض أخطر ممن يقوم بتنفيذ الجريمة، فلولاه ربما لم يقدم المجرم على فعلته التي جاءت بالضرورة كنتيجة ولم تكن سبباً، ومن يساند المجرم ويهيئ له الظروف التي تعينه على تنفيذ الجريمة أخطر من المجرم أيضاً، فلولاه لما تمكن المجرم من القيام بالعمل المطلوب منه وبتلك الدقة وفي التوقيت الصحيح، لكن في المحصلة الثلاثة يتكاملون ويتشاركون في الجريمة وإن تم احتساب «الهدف» باسم المنفذ وحظي دون صانعيه بتصفيق الجمهور وإعجابه.
في ما يخص جريمة سترة ما كان يمكن لمنفذيها القيام بها لولا فعل التحريض ولولا مساندة العناصر التي درست الموقع وخططت وهيأت الظروف المناسبة للتنفيذ. والأمر نفسه حدث مع الجرائم الأخرى.
منع التحريض ومنع المساندين للمجرمين من تنفيذ جرائمهم ليس مسؤولية الحكومة وحدها، وإن كانت تتحمل الجزء الأكبر منه، لكنه أيضاً مسؤولية المواطنين جميعاً، أفراداً ومؤسسات مجتمعية، وهي مسؤولية ينبغي عدم التفريط فيها لأن الأذى الناتج من التحريض والمساندة على تنفيذ تلك الجرائم يطال الجميع من دون استثناء. من هنا صار لزاماً على كل مواطن ومقيم أن يكون عيناً مساندة للعيون الساهرة فينبه إلى ما يعتقد أن من الضروري لفت انتباه المسؤولين إليه، ولا يتردد عن توصيل ما يتوفر له من معلومات يعتقد أنه بتوصيلها يمكن أن يمنع تنفيذ جريمة، دون أن يعني هذا أن يتحول الجميع إلى مخبرين ومراسلين للداخلية. يكفي الاقتناع بأن المرحلة التي نمر بها تتطلب تعاون الجميع مع الدولة، فمن دونه يسهل على المخربين اختراقنا والتسبب في أذى الجميع.