تصريح وزير الخارجية اليمني رياض ياسين عن تأثر العلاقة بين إيران وميليشيات الحوثي جديد؛ لكنه متوقع، ذلك أنه من الطبيعي أن تصل علاقة غير شرعية كهذه بين دولة لها أطماعها وشعب فقير يتم استغلاله بهذه الطريقة البشعة إلى طريق مسدود، إما بسبب فشل الحوثي في تحقيق انتصار يقوي من وضع إيران في سوريا والعراق ولبنان وفي المنطقة إجمالاً ويشعرها أنها لم تنثر أموالها في الهواء، وإما بسبب إعادة إيران لحساباتها بعد الاتفاق النووي مع الغرب والذي يتطلب منها تحسين سلوكها والتحرر من مثل تلك الالتزامات التي لا تعود عليها بالنفع، وهذا ما يمكن استشفافه من أغلب التصريحات التي أدلى بها المسؤولون في الغرب وصولاً إلى أوباما الذي حاول أن يطمئن الأمريكان والإسرائيليين، بشكل خاص، من خلال خطابه الذي ألقاه قبل يومين في الجامعة الأمريكية بواشنطن، وقال ما معناه إن إيران ستلتزم بالاتفاق وإن الاتفاق اهتم أيضاً بتحديد وجوه صرف المليارات الخمسين التي ستعيدها.
في الحالتين لن تجد إيران أمامها سوى التخلي عن جماعة الحوثي وستقول لهم ولكن بالعربية المكسرة «سامحونا»، فكيف والحوثي تزداد خسائره يوماً بعد يوم وتزداد الانشقاقات في صفوفه ويتعمق الخلاف بينه وبين الرئيس المخلوع؟ والواضح أنه لن يطول الوقت حتى تتحرر صنعاء وبقية المدن اليمنية كما تحررت عدن ليعود اليمن إلى الحياة من جديد.
إيران لن تجد صعوبة في توفير المبررات اللازمة كي تتملص من التزاماتها مع الحوثيين الذين وعدتهم بوضع الشمس في يمينهم والقمر في شمالهم وقالت لهم -بالعربية المكسرة أيضاً- سنضع في فم كل يمني صباح كل يوم ملعقة من العسل المصفى. بكل بساطة ستقول للحوثي إنها مضطرة الآن للتخلي عنه كي لا تخسر الاتفاق النووي الذي تأمل أن يكون سبباً في تغيير أحوالها وإنقاذ اقتصادها من الانهيار ونظامها من الزوال، وليس بعيداً أن يكون تخليها عن الحوثيين من بين الشروط التي وافقت عليها كي تحصل على الخمسين ملياراً المجمدة من أموالها وتضمن عدم تدمير منشآتها النووية، خصوصاً وأنه يتوفر كثير من التناقض في تصريحات إيران والغرب في ما يخص بنود الاتفاق، حيث تصوره إيران وكأنه انتصار تاريخي لها ما بعده انتصار، ويصوره الغرب بأنه انتصار له سيندم الكونغرس الأمريكي لو رفضه «رغم أن المعروف أن أوباما سيضرب كل الآراء المخالفة له بالفيتو».
في كل الأحوال لن يطول الوقت حتى ترفع إيران يدها عن الحوثيين وتتوقف عن دعمهم، حتى إعلامياً، لأن إيران لا يمكنها أن تتحمل المزيد من الخسائر في اليمن، خصوصاً وأنها تنزف بشدة في سوريا والعراق وفي بلدان أخرى عديدة، وحتى في الداخل.
إيران اليوم بدأت تعرف حجمها الطبيعي وتأكدت أنها أعطت نفسها حجماً أكبر لا يمكن أن تكونه، ولأن الاتفاق النووي قد يعيد إليها شيئاً من التوازن وينقذ اقتصادها ويحميها من غضبة شعبها الذي لم تنته معاناته، ولن تنتهي لو واصلت في نفس النهج، لذا فإنها لا يمكن أن تفرط فيه حتى وهي تشعر أن الطرف الآخر الأكثر استفادة منه.
ما تفعله إيران حالياً يمكن التعبير عنه بأنه «رجوع الشيخ إلى.. عقله» وهو يعني تجاوزها مرحلة المراهقة الفكرية التي تسببت لها في الكثير من المشكلات. اليوم تبين لإيران بالدليل القاطع أنها لا يمكن أن تجني شيئاً من دعمها للحوثيين ومحاولة مد رقبتها إلى اليمن، واليوم تبين لها أنه لا مفر من التخلي عن عبدالملك الحوثي مهما كان مثل هذا القرار محرجاً لها وصعباً، ويكفي أن تختبئ وراء عنوان المصلحة الوطنية والأمن القومي ليسقط في يد الحوثي ولا يكون أمامه سوى رفع الراية البيضاء.