لم يعدم الإرهابيون طريقة لتنفيذ عملية تفجير انتحارية جديدة في بيوت الله وقتل المصلين وهم ساجدون، فقد تمكن أحدهم ظهر الخميس الماضي من الوصول إلى مسجد قوات مركز الطوارئ بمدينة أبها جنوب السعودية وهو يرتدي حزاماً ناسفاً، فقتل به خمسة عشر مصلياً وجرح أكثر من ثلاثين، ليكون هذا المسجد هو الرابع الذي يستهدفه الإرهابيون بعد المسجدين في القطيف والدمام في المنطقة الشرقية بالسعودية ومسجد الصادق بالكويت، والذي أوقع الكثير من الضحايا الذين لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا يعبدون الله سبحانه وتعالى ويقفون بين يديه مقرين بربوبيته ومسلمين.
المفارقة أن هؤلاء الإرهابيين يفعلون ذلك اعتقاداً منهم بأنهم ينتصرون لله سبحانه وتعالى ويدافعون عن الدين الإسلامي، وأنهم إن «وفقوا» فإن هذا يعني أن الله راض عنهم وأنهم ضمنوا بذلك تذكرة لدخول الجنة من دون حساب، فأي شيء أعظم من الانتصار لله سبحانه وتعالى والدفاع عن دينه؟ لكن المؤسف أنهم يفعلون ذلك رغم أن الله ينهى في الآية «93» من سورة النساء عن القتل المتعمد للمؤمن، ويتوعد الفاعل بطرده من رحمته وإدخاله نار جهنم خالداً فيها «ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً» الآية.
مسألة تحتاج إلى وقفات كثيرة؛ لأنه لا يمكن لعاقل ممارسة عمل منهي عنه ومبين جزاؤه في القرآن الكريم بكل هذا الوضوح وهو يعتقد في قرارة نفسه بأنه مركوبه لدخول الجنة، ما يدفع إلى السؤال عن الحالة التي يصير فيها هذا الإرهابي والتي تجعله يرى اليسار يميناً والأسود أبيض.
الأكيد أن من يتورط في مثل هذا الفعل الشنيع لا يمكن أن يكون عاقلاً، لأن هذا الفعل ليس فعل الإنسان العاقل، ولأنه ليس كذلك فإن الفاعل لا يفرق بالضرورة بين منتمين إلى هذا المذهب أو ذاك، فكل المخالفين لآرائه وتوجهاته كفار ويستحقون القتل وبأبشع الطرق.
من يتابع تطورات الأحداث ويرى الضربات الموجعة التي تسدد في هذه الفترة إلى التنظيمات الإرهابية، خصوصاً تنظيم داعش، يتأكد له أن العمليات الانتحارية في المساجد وخارجها ستستمر، حيث المنطق يقضي بأنه كلما اشتد الحبل حول رقبة هذه التنظيمات الإرهابية كلما زاد مقدار فقدها للعقل «على افتراض أنها تتمتع بشيء منه»، لهذا فلن يكون غريباً تنفيذ عمليات «نوعية» في أي دولة من دول مجلس التعاون وفي أي وقت وأي مكان.
مفتي السعودية وصف تفجير عسير بأنه عمل إجرامي قبيح من فئة ضالة خارجة عن الإسلام، والمسؤولون السعوديون والخليجيون والعرب قالوا عنه الكثير، ومنه أنه استباحة لدماء الأبرياء الآمنين، وبهذا التعبير وغيره قال أفراد من مختلف الفئات والشرائح والمذاهب عبر مختلف وسائل الاتصال والتواصل، لكن كل هذا لا يمكن أن يوقف مثل هذه الأعمال التي لا تتحمل مسؤولياتها الحكومات وحدها ولا تتمكن وحدها من منعها.
دول مجلس التعاون تمر اليوم بظروف استثنائية تتطلب تعاون الجميع، فالإرهابيون لا يستهدفون الحكومات وحدها ولا فئة دون أخرى؛ وإنما يستهدفون الجميع وكل جميل وحضاري، ويستهدفون القيم والأخلاق والدين. وما ينبغي أن يعلمه مواطنو التعاون هو أنه لم يعد مناسباً الاكتفاء بالفرجة والقول إن وزارات الداخلية هي المعنية بالمواجهة، فالظرف استثنائي، وفي الظروف الاستثنائية ذات العلاقة بالأمن يتحول كل مواطن ومقيم بالضرورة إلى رجل أمن وعيون ساهرة.
«الإرهاب ما له رفيج»، هذه حقيقة ينبغي أن نعيها جيداً، فهو لا يستهدف فئة دون أخرى ولا منتمين إلى مذهب دون آخر، ومنفذوه لا يعني لهم الدين شيئاً وإلا لما قتلوا النفس المحرم قتلها إلا بالحق في المساجد والمصلون راكعون أو ساجدون.