لا نعلم متى هو « الأجل مسمى» لعودة جريدة الوسط قد يكون غداً، فإجراء «الإيقاف» إجراء مؤقت وفق القانون، أو ربما هناك قرار سياسي بغلقها من خلال لجوء وزارة الإعلام للقضاء، فالإيقاف إداري إنما للغلق لابد من حكم قضائي، وأياً كان القرار فرأينا لن يتغير.
فنحن في زمن تخوض فيه قواتنا المسلحة حرباً على الإرهاب تشارك فيها البحرين بأرواح أبنائها جنباً إلى جنب مع أرواح أبناء دول الخليج وفي مرحلة تخوض فيها البحرين حرباً ضروساً على الإرهاب داخلية في عقر دارها تهددها عدوتنا إيران بالتدخل من خلال عملائها أو من سمتهم (المظلومين) وعليه فإن التعاطي مع الإعلام في هذه الظروف تحديداً وفي هذا الوقت عليه أن يأخذ في الاعتبار تلك المعطيات، فإن كانت الخصومات والمناكفات السياسية مسموح بها في وقت السلم إلا أن التهاون بها يعد عبثاً في الأمن في مثل هذه الظروف.
فلا يسمح للسلطات بالتهاون والتساهل مع أي مهددات للأمن خاصة إن كانت إعلامية تحت ضغوط أجنبية عهدناها وعهدنا التفاتها لأمور أخرى بعد حين، لا يسمح أن ترضخ البحرين لضغوط أجنبية ونخضع لتصنيفاتها، لمجرد أنها وصفت منبراً إعلامياً عندنا «بالمستقل» فذلك يعني حقاً أنه مستقل، إذ لا يمكن أن يكون القصد من مفهوم «الاستقلال» عندهم أن يسمح لأي صحيفة أو وسيلة إعلامية أن تستقل عن استحقاقات أمن دولهم، ليست هناك صحيفة مستقلة عن «أمن الدولة» فالصحف مستقلة عن الحكومات نعم لا عن الدول، والفرق شاسع كالفرق بين السماء والأرض.
فجميع الصحف بلا استثناء تقف مع كل السلطات ومنها السلطة التنفيذية على أرضية مشتركة في مواجهة الأمن، تلك ثوابت دستورية لا تملك صحيفة مهما كانت استقلاليتها عن الحكومة ومهما بلغت درجة خصومتها مع الحكومة أن تستقل عن ثوابت الأمة فيها، فإن مست تلك الثوابت وتعرضت الدولة لتهديد تجد الاثنان (الحكومة والصحف) في خندق واحد لحمايتها، جميع الصحف بلا استثناء تقر بالدستور والقوانين كنصوص، وتتفق على مفاهيم وقيم مشتركة تعني بسيادة الدولة وأمنها واستقرارها وكل ما يتعلق بهذه الثوابت يعد منطقة حمراء لا تقبل هذه المنابر على اختلاف مشاربها المساس بها، ومن ثم بعد ذلك حين نتجاوز المنطقة الحمراء لتستقل المنابر عن السلطات في تقييمها لأداء هذه السلطات كما تشاء ولتبلغ الخصومات عنان السماء.
مشكلتنا أننا لدينا «فوضاقراطية» في مفاهيم ومبادئ وقيم الديمقراطية، في الديمقراطيات المنطقة الحمراء متفق عليها بين الخصوم السياسيين ولا يمكن لأي طرف أن يستهين بها ويتلاعب في حدودها، أما عندنا فهذه المنطقة أصبحت برتقالية وأحياناً صفراء وأحياناً بلا لون تماماً وتتحمل السلطات المسؤولية كاملة في ترك الأمور تصل إلى هذا الحد من الفوضاقراطية دون أن تفعل القانون لتثبيت الحدود، لأن الاعتقاد بأن «الاستقلالية» تعني بأن للمنبر الإعلامي أو حتى الديني أن يتجاوز خط «الدولة» و أن يستقل عن دستور وقانون «الدولة» هو جريمة في حق الوطن، صحف ومنابر دينية في البحرين عاثت في هذه المنطقة فساداً وسكتت الدولة وتهاونت عنها طوال خمس عشرة سنة، وإن كنا نقبل هذا العبث في أوقات السلم ونكتفي بالجدل لتصحيحه، إلا أن ذلك لا يمكن أن يتواصل في وقت دولتك تواجه أكبر المخاطر والتهديدات ومعها دول منظومة مجلس التعاون برمتها تخوض حرب بقاء، حينها يكون الجدل والبحث عن مخارج قانونية لحماية وطنك استهانة بأمن الوطن وأمن الخليج، استهانة تفوق في خطورتها استهانة تلك المنابر الإعلامية به.
حينها تصبح السلطات المسؤولة عن أمن الدولة أكثر عبثاً من تلك المنابر في أمن الدولة وغير أمينة عليها.
إن كنا نبحث عن المعايير الديمقراطية فإنني أتحدى أن تجد في أمريكا صحيفة أو قناة أو أي منبر وقف منفرداً يبرر ويفسر الإرهاب وفق معاييره الخاصة، السفسطة هنا تعد على منطقة حمراء يتفق على حمايتها كل المختلفين وكل الخصوم السياسيين، هذه المنطقة التي أرمي فيها كل خلافاتي وأقف فيها مع أعتى خصومي يداً بيد دون أية اعتبارات أخرى تلك هي أسس من أساسيات الديمقراطية التي عبثنا فيها، كذلك فعلت الصحف في فرنسا أو في بريطانيا حين تعرضت دولهم للإرهاب، لغة واحدة ومصطلحات واحدة ورؤية واحدة ومع الإجراءات الأمنية للدولة دون تهاون ودون تلون ودون (لكلكة) في التفاسير والمفاهيم والتفاف على استحقاقات الوطن، وأتحدى أن تكون أي صحيفة أو قناة بريطانية أو أمريكية أو فرنسية أو من أي دولة كانت تصف نفسها «بالمستقلة» وقفت موقفاً مخالفاً من الحكومة أو مع إجراءات الدولة الأمنية حين ضرب الإرهاب دولتهم.
للاستقلالية في العمل الإعلامي أصول وقيم ومبادئ لا يمكن لأي منبر مهما كانت خصومته مع السلطات أن يحيد عنها بحجة «الاستقلالية»، ليست الخصومة السياسية ولا الاختلافات في وجهات النظر ما يمس الاستقلالية وليست هي ما يضيرنا أو يزعجنا، بل بالعكس تلك الخصومة الشريفة مطلوبة ومرغوبة وضرورة من ضرورات العمل السياسي، فلا يحد تغول أي سلطة إلا سلطة أخرى تراقبها وتقيم أداءها لكن الاختلاف حول الإرهاب والتلون حوله في وقت يضرب هذا الإرهاب أطنابه في الدولة بل والمنطقة بأسرها وفي وقت تصل التهديدات فيها لوطنك فتلك خيانة وليست استقلالية وإن تهاونت سلطات الدولة في حماية المنطقة الحمراء فإنها شريكة معه.
الدولة القوية تفرض أمرها الواقع على كل متدخل أجنبي أياً كان حجمه حين يتعلق الأمر بأمنها، وتعلموا من مليون مثال ومثال حاضر اليوم نشهده بأعيننا، ضربت فيه الدول عرض الحائط تقارير وبيانات أجنبية حين يتعلق الأمر بأمنها، افرض أمرك والكل سيتبعك صاغراً.