للتوضيح أولاً، فإن المبلغ المشار إليه 230 مليون دينار، هو مجموع ما تم صرفه في عامي 2013 و2014 في بند نفقات القوى العامة لوظائف غير البحرينيين في الحكومة.
هنا لا نتحدث عن قطاع خاص، بل نتحدث عن قطاعات حكومية فيها وظائف يشغلها أجانب، وأغلب هذا الأشغال بعقود زمنية «ما نتوقع منطقياً»، ما يعني أنها وظائف موجودة في السلك الحكومي.
قبل الخوض في التفاصيل، فقط نحتاج للتوقف عند المبلغ والتأمل فيه، فهذه الأرقام مبينة في الميزانية العامة للدولة، بحيث أوضحت أنه في عام 2013 أنفقت الدولة 117 مليون دينار، و42 ألفاً و493 ديناراً، وفي عام 2014 أنفقت 112 مليوناً و641 ألفاً و212 ديناراً.
تفصيل الأرقام مثير بالنسبة لنا كبحرينيين، وبالأخص للمواطنين العاملين في القطاع الخاص، إذ مثلاً الرواتب الأساسية للموظفين غير البحرينيين في العامين بلغت أكثر من 135 مليون دينار. وبلغت مصاريف العمل الإضافي 4 ملايين مقسمة على العامين، والعلاوة الاجتماعية 5 ملايين، وتحسين المعيشة 102 ألف دينار، وعلاوة الهاتف 150 ألف دينار، وعلاوة المواصلات والسيارة مليونين ونصف، والعلاوات الشخصية 10 ملايين، وعلاوة الانضباط 13 ألف دينار، مصاريف الاغتراب 700 ألف دينار، تكاليف السكن 25 مليون دينار، إلى غيرها من علاوات متفرقة هنا وهناك.
الفكرة هنا بأن هذا المبلغ الكبير بتفاصيله المتشعبة وأوجه صرفه المبينة، يمنح لغير البحرينيين، وهنا ينبغي التوضيح المسبق، بأن أي بلد في العالم لا يمكنه الاكتفاء الذاتي بخبراته الوطنية وطاقاته دون الاستعانة بخبرات أجنبية وطاقات مميزة، حتى اليابان نفسها تجدون فيها خبرات أجنبية. لكن مربط الفرس هنا يحدده الوصف التالي «خبرات أجنبية مميزة».
وعليه نقول بأنه من واقع خبرة عايشتها البحرين على امتداد عقود، هناك حالات تثبت بأن ليس كل أجنبي يعمل لدينا «خبيراً وصاحب إضافة وذا نوعية متفردة مميزة»، وأنه يمكن إحلال المواطن الكفء المهيأ المدرب المؤهل لشغل موقعه.
بالتالي ما أريد قوله هنا بأن التحدي اليوم أمام الدولة في السعي الجاد لإحلال الطاقات الوطنية والكفاءات محل الأجانب في المناصب ومواقع العمل الموجودة في القطاعات الحكومية، منها تقدير أصحاب الكفاءات الوطنية وفتح فرص عمل أمامهم ومجالات للترقي، إضافة إلى تقليل بعض المصروفات التي يمكن توفيرها خاصة تلك التي تدفع على اعتبار أن شاغل الوظيفة أجنبي وليس مواطناً، مثل علاوات السكن التي بلغ مجموعها 25 مليون دينار، أو علاوة الاغتراب التي بلغت 700 ألف دينار، وحتى علاوة السفر التي تحدد في العقود مسبقاً.
وهنا من المهم الإشارة إلى أن هناك توجهاً بالفعل لدى الحكومة في هذا الخصوص، إذ يمكن بيانه وتمييزه بشكل بسيط من خلال مقارنة المصروفات، إذ هنا انخفاض في الإجمالي بين عام 2014 عن سابقه 2013 بواقع يصل إلى خمسة ملايين دينار، وهذا مؤشر إيجابي.
لكننا نشدد هنا على أن الفكرة الأساسية ليست في خفض النفقات والتكاليف، بقدر ما هي عملية منح الثقة للكفاءات الوطنية و»إحلال» المواطن محل الأجنبي، ومنحه الثقة في تطوير بلاده والعمل على رفعتها، خاصة المواطن الذي تعب على نفسه ودرس وتعلم وتطور وقد تكون الدولة ابتعثته وصرفت عليه نظير اجتهاده، أيضاً المواطن الذي تم تأهيله وتدريبه في برامج مختلفة ومتنوعة ضمن خطط التدريب في قطاعات الحكومة والتي تصرف عليها سنوياً ملايين أخرى.
ليس خطأ استقطاب الخبرات والكفاءات الأجنبية، خاصة في تخصصات نادرة لا نملك من يسد نقصها من الداخل، لكن الخطأ حينما يزداد عددهم بشكل يزاحم البحرينيين في فرص التوظيف والترقي ومسك المناصب، والخطأ الأكبر حينما يتم منح الأجنبي مزايا متعددة ومبالغ فيها في حين إنتاجه وعطائه يقدمه موظف بحريني (يستلم ربع ما يستلمه الأجنبي) لكن عمله متقن أكثر وفيه إخلاص أعمق للبلد.