نكمل الآية القرآنية رقم 11 في سورة الرعد، حيث يقول المولى عز وجل في محكم تنزيله: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».
لسنا مفسرين محترفين في شأن القرآن الكريم، لكن كثيراً من الآيات فيها من البساطة بحيث يفهمها الإنسان العادي بشكل مباشر وواضح، وفي الآية المذكورة هناك «علاقة شرطية»، والحديث معني بـ»التغيير»، وربط الله التغيير في حال الإنسان بأنه نتيجة لقيامه كبشري بـ «التغيير» في نفسه.
وحينما نتحدث عن مسعى الإنسان للتغيير، فإن العملية بحد ذاتها ليست بتلك السهولة التي يظنها البعض؛ إذ أساسها هو «اقتناع» الإنسان بالتغيير، و»إيمانه» بضرورته، وأنه أمر حتمي لا يقبل القسمة على اثنين.
المجتمعات تتغير، الكون بنفسه يتغير، وما يصلنا اليوم من إرث تاريخي، وحديث عن حضارات وحقب زمنية، كلها أمور لها علاقة ثابتة مع التغيير الدائم، حتى الإنسان نفسه يتغير، سواء كان جسمانياً أو عقلياً وحتى نفسياً.
كل شيء في هذا العالم يشترك في عامل «التغيير»، وهذا هو واقع الأمر، فدوام الحال من المحال، كما يقال.
لكن في شأن الممارسات والعمليات والمعاملات الحياتية اليومية، يتخوف كثير من الناس من كلمة «التغيير»، يتخوفون من مجرد التفكير فيها، رغم أن بعض المؤشرات توضح بأن هذا النوع من التغيير أو ذاك النوع إنما هو تغيير للأفضل، لكن الطبيعة البشرية تخشى «عواقب» التغيير، خاصة إن كان الحال الذي تعيشه يخلق لديها الرضى إن استمر في حالة «الثبات».
ولذلك لم يكن مستغرباً أن يوثق البشر في موروثهم وثقافتهم مقولات وأمثال تتناقض مع ضرورة التغيير، حتى المثل القائل بأن «عصفور في اليد أفضل من عشرة على الشجرة» مثل منبثق من أصل الخوف من التغيير، ومحاولة تجربة شيء جديد أو فيه مخاطرة أو تحدٍ، وفي الموروث الشعبي البحريني أشك بأن هناك من لا يعرف المثل «خلك على مجنونك لا يجيك إللي أجن منه»!
في علوم الإدارة وممارسات التطوير وبناء الحضارات، يصنف الخائف من التغيير على أنه «حجر عثرة» لا «أداة بناء»، وتجد هذه الأمثلة بكثرة في عديد من القطاعات الرسمية وبنسبة تفوق بشكل مخيف عن مقابلها في القطاع الخاص، هناك من المسؤولين من يخشى التغيير خوفاً على مكاسب و»هالة» خلقها بالمنصب أو سير عمليات «تعود» عليه. هناك من يرى التغيير يمثل «تهديداً» له، وهناك من يرى التغيير نوعاً من المقامرة، وكلها نظرات مليئة بالتشاؤم والتخوف والتردد لا تتسق إطلاقاً مع متغيرات العصر، ولا تمكننا حتى من مواجهة التجارب الناجحة في العالم، رغم أننا في كل شاردة وواردة من تصريحات كثير من المسؤولين نتحدث عن «ثقافة التغيير» وعن «إحداث التغيير» وعن «القيمة المضافة» الناتجة عن التغيير، وعن منافسة العالم الخارجي «المتغير».
التغيير ليس وحشاً، وليس أداة للتدمير، إلا في حالة كان التغيير للأسوأ، إلا أن كان التغيير يدمر أسساً صحيحة وممارسات مثالية، هنا التغيير يكون للأسوأ، لكن طموح البشر المتفائلين الراغبين في الإنجاز يركز على التغيير الإيجابي المساهم في التطوير.
لكن حتى يرسخ المفهوم، وحتى تثبت أسسه، وحتى يتحول لممارسة صحية دائمة، تكون سمة بارزة في أي مجتمع ناهض، لابد وأن يكون هناك إيمان وقناعة لدى الفرد في التغيير، لابد وأن يكون منهاج عمل وحياة، فعقارب الساعة لا تتوقف بل تتغير وتدور، وكذلك البناء والتطوير والنهوض عجلته لابد وأن تكون متغيرة وتتحرك للأمام وللأفضل.
وحتى يكون التغيير موجوداً وذا تأثير إيجابي، لابد وأن نغير نحن من نظرتنا إليه ومن فهمنا لطبيعته ومن إيماننا بضرورة وجوده، حينها نكون طبقنا الآية الكريمة بأننا غيرنا ما بأنفسنا من قناعات وأفكار، سائلين المولى القدير بأن يغير من واقعنا وحياتنا ومجتمعاتنا إلى واقع أفضل.