حين تكلمت مع أحد العقلاء في البحرين حول موقفه من الكثير من الأحداث التي يشهدها وطننا والعالم العربي عموماً من مساجلات وتجاذبات سياسية واجتماعية مربكة، وعدم نقدها للعلن بشكل واضح، أكد أن نسب المجانين الذين يتصدرون المشهد السياسي والثقافي والديني وغيرها من المشاهد المؤثرة في واقعنا المعاصر، أكثر من نسب الحكماء بأشواط ومراحل، ولهذا يكون من الخطأ أن يصطدم العاقل بكتلة صلبة من جمهور المجانين.ربما بإزاء الصمت الذي يخيم على الراشدين في البحرين والوطن العربي، لابد من وجود ما يبرر أو يفلسف عدم رغبة هؤلاء العقلاء في الكلام المباح، سواء في السياسة أو حتى في الرياضة، لأن التهم المعلبة التي ستطالهم أضحت جاهزة، ولكل منهم نصيبه من الشتائم والتخوين والإقصاء والخروج من الملة والوطن، ولهذا فإنهم يؤثرون الصمت على الكلام المباح.يقول بعض هؤلاء، بأنهم لا يملكون ضمانات حقيقية تؤمن لهم الطريق للحديث فيما يرونه منافياً للوطنية والقومية والمصالح العامة للناس، ولهذا الأمر البالغ الأهمية من وجهة نظرهم، يكون الحديث حول نقد المعارضة السياسية على سبيل المثال، مخاطرة حقيقية في عدم قدرتهم على الاستمرار في النقد، خصوصاً حين يفقدون كل الضمانات المريحة لذلك، وهذا الأمر ينسحب حتى على الشارع البحريني بشكل عام، حين يخاف أن يكون صوته مسحوقاً من طرف أحد الجهات التي تدعي الديمقراطية.المجتمع الذي يخاف من إبداء رأيه البناء في شأنه المحلي لا يمكن أن يكون مؤهلاً للديمقراطية، ولا نريد أن نقول «لا يستحقها»، فالرجل العاقل الذي يخاف من صبي أو من معتوه في منطقته فيختار الصمت منجاة من الوقوع في «بهدلة» المجتمع وردود أفعاله، تيقن أنه لا يعيش في مجتمع سوي، خصوصاً حين لا يمكن أن يعبر عن رأيه في شأن من شؤون وطنه!إنني أعتقد جازماً أن ديمقراطية المجتمع أولى وأهم حتى من ديمقراطية الحكم، إذ لا يمكن لمجتمع ديكتاتوري أن يحكم بالديمقراطية والعدالة وبأدواتها كحرية التعبير وقبول الآخر حين يصل للحكم، وهو من يملك تاريخاً غير مشرف من الإقصاء والترهيب والتنكيل وفقدان الثقة بالمختلف، ومن هنا يجب أن يتدرب أي مجتمع على الحرية وقبول الآخر، قبل أن يطالب بها الحكم، ولهذا قلنا قبل قليل بأن ديمقراطية الناس تسبق ديمقراطية السلطة، وهذا تسلسل منطقي جداً في سلم الوصول للعدالة.ربما تكون للكلمة ثمنها الباهظ في داخل المجتمع، لكن يجب أن تقال، ويجب أن ندرب أجيالنا على نقد كل ما حولنا من أجل البناء، فالخوف ليس طريقاً للديمقراطية، أما قبولنا بسلطة المجتمع المطلقة، فإننا أمام طريق طويل من الرغبات المختلفة والمتباينة التي تَحُوْل دون بناء منزل، فكيف ببناء دولة ديمقراطية تعيش في عصر العلم والمعرفة؟