^ لعل الحديث عن اضطهاد أهل السنة في إيران لا يقدم شيئاً جديداً بالنسبة للمطلع على حجم مأساة هذه الشريحة الواسعة، والتي تشكل ثلث عدد سكان إيران البالغ أكثر من سبعين مليون نسمة. في هذه قضية نقطتان مهمتان؛ الأولى استمرار مأساة هذه الملايين المسلمة من أهل السنة في ظل نظام يدعي لنفسه أنه وارث الأنبياء، وزعيمه الولي الفقيه «ظل الله في الأرض» ودولته هي أم القرى التي تفوق مدينة أفلاطون الفاضلة بعدالتها. الأمر الثاني تناقض هذا النظام وسخريته من عقول الآخرين؛ إذ في الوقت الذي يتباكى فيه على ما يسميه حقوق الشيعة الضائعة في الدول العربية والإسلامية ويتدخل في شؤون تلك الدول بذريعة الدفاع عن الشيعة، نجده يمارس أبشع الانتهاكات والممارسات غير الإسلامية ضد أهل السنة في إيران، محاولاً التغطية على هذه الانتهاكات اللا إنسانية بسلسلة من الشعارات الخالية من أي مضمون مثل «محو إسرائيل» و»يوم القدس» و»أسبوع الوحدة الإسلامية» إلى آخر هذه الشعارات. علماً أن تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي الطويل لم يشهد مقتل أي إيراني، ونتحدى أن يثبت الإيرانيون أن قائداً واحداً أو عضو مجموعة فدائية منهم قتل أو أسر في هذا الصراع الذي يدور أساساً حول المقدسات الإسلامية، والتي يقول النظام الإيراني إنه أحرص عليها من العرب و المسلمين جميعاً. علماً أن الصفوية تعتبر قبر أبو لؤلؤة المجوسي، قاتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه أكثر قدسية من فلسطين وما فيها. الاعتراض هنا ليس على مطالبة إيران بحقوق الشيعة، فهذا واجب إنساني إذا ثبت أن للشيعة حقوقاً منتهكة، لكن الاعتراض على التناقض السافر الذي يعمل به النظام الإيراني، فحين يدعي نظام الملالي حرصه الشديد على ما يسميه حقوق الشيعة المنتهكة فإنه يمنع السنة من أبسط الحقوق الإنسانية والقومية، ويعد السني مواطناً من الدرجة الثانية، فكل ما قدم لأهل السنة إلى الآن تعيين نائب سني لحاكم إقليم كردستان، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخه، إذ إن مثل هذا المنصب وما فوقه محّرم على أهل السنة وفي جميع المؤسسات والدوائر الحكومية، لهذا لم يتم تعيين وزير أو سفير أو محافظ أو وكيل وزارة أو قائد عسكري سني واحد منذ قيام ما يسمى بالجمهورية الإسلامية وحتى الساعة، ويأتي كل هذا ضمن سياسة التمييز الطائفي والعرقي الذي تمارسه هذه الجمهورية ضد أهل السنة الذين لم يلاقوا منذ عهد الصفويين مثل ما يلاقونه اليوم من ظلم واضطهاد على يد النظام، والذي لم يكتفِ بحرمانهم من حقوقهم كمواطنين شأنهم شأن سائر الإيرانيين الآخرين؛ بل عمد إلى هدم عديد من المساجد والمدارس الدينية لأهل السنة وقتل عديد من علمائهم ومثقفيهم. ومن خلال نظرة سريعة على هذه القائمة التي نوردها سوف يتبين عمق مأساة أهل السنة وحجم الاضطهاد الواقع عليهم. إضافة إلى منع السنة من بناء مسجد واحد لهم في طهران، وهي العاصمة الوحيدة في العالم التي تخلو من مسجد لأهل السنة، نجد أن النظام الإيراني قد هدم عام 1993 أكبر وأقدم مسجد لأهل السنة في مدينة مشهد عاصمة إقليم خراسان، وهو مسجد الشيخ فيض بأمر من مرشد الثورة الإيرانية الحالي علي خامنئي. في هذا الإطار يمكن أن نلقي نظرة على بعض المساجد والمدارس الدينية السنية التي تم هدمها وتخريبها أو إغلاقها في عهد نظام الملالي؛ تهديم مدرسة الإمام الشافعي في محافظة كردستان، تهديم مسجد لأهل السنة في مدينة الأحواز بعد أن كان قد اكتمل بناؤه بتبرعات أهل الخير. هدم مسجد قبا السني في مدينة تربت جام في محافظة خراسان، وهذا المسجد كان قد استولى عليه الحرس الثوري ثم قام بهدمه وبناء مقر له مكان الجامع المذكور، الاستيلاء على مسجد الحسنين في مدينة شيراز وتعذيب وإعدام خطيب الجمعة فيه، والذي كان قد غير مذهبه في عهد الشاه من شيعي إلى السني، وقد حـّولت السلطات الإيرانية الجامع فيما بعد إلى مركز لبيع أشرطة الفيديو. هدم جامع ومدرسة «نغور الدينية» في إقليم بلوشستان عام 1987م، هدم الجامع والمدرسة الدينية لأهل السنة في مدينة طالش عام 1992 واعتقال وسجن إمام جمعة المدينة السني الشيخ القريشي، إضافة إلى هدم ومصادرة العديد من المدارس والمساجد السنية الصغيرة الأخرى في إقليم بلوشستان. وتوالت ممارسات نظام الملالي بإغلاق جامع الشيخ محمد الربيعي في محافظة كرمانشاه الكردية بعد مقتل الشيخ على يد الاستخبارات الإيرانية عام 1992م، إغلاق جامعة الإمام الشافعي في مدينة عبادان. كل ذلك جانب واحد من المأساة، أما الجانب الآخر فيتعلق بعمليات الاغتيال والإعدامات التي طالت عديد من العلماء ومفكري أهل السنة، وهنا نطرح هذه السؤال على المنصفين من شيعة أهل البيت؛ هل يشرفكم أن يكون من يضطهد أكثر من عشرين مليون مسلم سني وأكثر من سبعين مليون مواطن إيراني من مختلف المذاهب والقوميات ولياً لأمركم وناطقاً باسمكم؟