مبتذلٌ هو الحديث الدائر بين أوساط السياسيين والإعلاميين ومنظري التيارات السياسية الإسلاموية والقومجية حول الوحدة اليمنية، وهو بالمناسبة حديث ستسقط كل أركانه وتتداعى معانيه في أول نقاش صريح مع رجل الشارع في عدن وحضرموت وشبوة وأبين؛ هؤلاء الذين امتهنت كرامتهم وسُلبت حقوقهم على مدى عقدين من الزمن على يد رجال المخلوع علي صالح وبفتوى دينية من حلفائه حزب (الإخوان) وزعيمهم الزنداني والديلمي، والذين مارسوا أبشع صنوف الإذلال بحق أبناء الجنوب العربي بوصفهم «كفاراً تباح دماؤهم وأعراضهم وأموالهم».
ولأبناء هذا الجيل الذين لم يعرفوا (عدن) العروبة التي كانت دوماً أحد حصون القومية، والتي بذرت الوحدة العربية في قلوب أبنائها ممارسة وفكراً، فلم يكونوا بطبعهم دعاة شرذمة وفرقة، ولكن أي عاقل يطالبهم بذلك بعد أن تجرعوا الويلات المرة تلو الأخرى باسم الوحدة التي فُرضت عليهم قسراً باتفاق أرباب المصالح من الجانبين دون أن يسألهم أحد عن رأيهم.
تلك الوحدة التي لم تكن إلا ستاراً لممارسة التمييز والقمع والقتل باسم الوطن تارة وباسم الإسلام تارة أخرى، فتحولت (عدن) من دولة رائدة في مختلف المجالات وذات تصنيف متقدم في مجالات التعليم والصحة والتنمية تحولت إلى دولة من القرون الوسطى بسبب سياسات التجهيل والتهميش طوال حقبة الوحدة القسرية على يد المؤتمر الشعبي وحلفائه من إخوان أتوا بأنصارهم من القاعدة (العائدين من أفغانستان) ليزرعوهم في أبين وشبوة ويتخذوهم حجة (كمسمار جحا) في اتجاه ابتزاز دول الخليج والعالم بحجة مكافحة الإرهاب ولقتل أي فرصة للتنمية والتطوير في الجنوب.
يرد الكثير من أنصار حديث الوحدة القسرية أن ما سبق من جرائم كانت بفعل صالح منذ 1994، والدمار الأخير كان بفعل مليشيات الحوثي وبقايا جيش المخلوع..
والسؤال الجنوبي المرير هنا يقول؛ أين كنتم عندما حمل أبناؤكم وإخوانكم وعشيرتكم السلاح وتوجهوا لقتل الأخوة وسفك دم الوحدة؟ أين كنتم عندما مر الحوثي مع من أطاعه وأتمر بأمره من أبنائكم، فمروا على أرضكم وحملوا زادهم وعتادهم لذبح شعب وتدمير مقدراته ومحو أي بارقة أمل للتأسيس لوحدة حقيقية تطالب بها الشعوب وتتبناها الأجيال التي تنصهر في نسيج وطني موحد.
أي حديث عن الوحدة سيقنع الأمهات الثكالى والأطفال اليتامى وآلاف المعوقين والمشردين، والذين شاهدوا بيوتهم تدمر وبناهم التحتية تنهار لأشهر دون أن يرف للمتباكين على الوحدة طرف، فصمتوا صمت القبور على المجازر اليومية التي ترتكب بحقهم، فأثبتوا للمرة المائة أن ما يجري في عروقهم هي دماء العربي الأبي الذي يرفض الذل، فجاهدوا وثبتوا رجالاً ونساء وأذهلوا العرب وأيقظوا روح المقاومة والصمود في عروق اليمنيين وأشعلوا بدمائهم جذوة الكرامة في نفوس نامت لأشهر طويلة أمام الاحتلال الفارسي الذي لفظ أنفاسه على شواطئ عدن.
... وللحديث بقية