بينما تنظر دول الخليج شرقاً لزيادة تبادلها التجاري، تنظر الصين غرباً لزيادة استثماراتها، وتنشأ فرصة جديدة للعيان. تاريخياً، اقتصر التعاون التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون على تجارة الطاقة والبضائع المصنعة، إلا أن ذلك قابل للتغيير نظراً لتطلع الطرفين إلى التنويع. فبينما تشرع الصين في تطبيق مبادرتها المسماة «حزام واحد، طريق واحد»، يتوجب على اقتصاديات الخليج اقتناص الفرصة للانضمام إلى المبادرة بصورة تفيد مصالحها الاقتصادية.تهدف مبادرة «حزام واحد، طريق واحد»، التي أطلقت عام 2013، إلى ترويج المشاركة الاقتصادية والاستثمار عبر حوالي 60 دولة في آسيا الوسطى وأوروبا والشرق الأوسط. أحد أهداف المبادرة يتمثل في السماح للمنشآت الصينية، بما فيها المشاريع المملوكة للدولة، بالتوسع في استثماراتها وعملياتها عبر هذا المسار، الذي يمتد لغاية شمال أفريقيا. سيكون التركيز المبدئي على البنية التحتية للمواصلات، مثل الطرقات والسكك الحديدية والمطارات، قبل الانتقال إلى مرحلة المشاريع الصناعية والبؤر التكنولوجية ومؤسسات الطاقة. أسست حكومة الصين، الداعم الرئيس للمبادرة، صندوق طريق الحرير البالغة قيمته 40 مليار دولار أمريكي في عام 2015 لتلبية احتياجات المبادرة. تدعم هذا الصندوق مؤسسة الاستثمار الصينية CIC (صندوق الصين للثروة السيادية)، وبنك التنمية الصيني، والبنك الصيني للاستيراد والتصدير، وإدارة الدولة للصرف الأجنبي. خصص البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية AIIB، الذي أسسته بكين في أكتوبر 2014، مبلغ 100 مليار دولار أمريكي كرأس مال مبدئي مقترح، وسوف يساعد في تمويل الإنشاءات عبر طريق الحرير المرسومة للمبادرة. بحلول مارس 2015، تقدمت حوالي 40 دولة من كافة أنحاء العالم للانضمام إلى المؤسسة، من ضمنها المملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا والبرازيل وروسيا، كما جمعت الصين تأكيدات من 21 دولة آسيوية صرحت بمساهمتها في تمويل الإنشاءات والمشاريع الأخرى التي تدخل ضمن مناطقها. حدث في السنوات الأخيرة تحول ملحوظ في صادرات الخليج التي ابتعدت عن أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية تجاه آسيا. فقد غدت الصين سوقاً تزداد أهمية بالنسبة لمصدري النفط، وثلاث دول خليجية تندرج ضمن أكبر مزوديها بالنفط وهي: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت. هذا وتعد المملكة العربية السعودية أحد أكبر شركاء الصين في تجارة النفط، حيث توفر حوالي 15% من إجمالي واردات بكين.يوجد خياران قابلان للتطبيق لاستغلال تجارة النفط الكبيرة هذه. أولاً، بالإمكان توسعة نطاق التعاون ليشمل استثمارات متبادلة في مجال الطاقة. ففي 2011 على سبيل المثال، قامت قطر ببناء أول مرفأ للغاز الطبيعي المسال في الصين بعد توقيع عقد توريد مدته 25 عاماً مع الشركة الصينية الوطنية للبترول CNPC لتوفير 3 ملايين طن سنوياً. بدورها، تعهدت الصين بتمويل الإنشاءات في البنية التحتية في النقاط الشرق-أوسطية الرئيسة الواقعة على طريق الحرير.تتميز دول الخليج بأنها الأقل من حيث المخاطر التشغيلية على مدى طريق الحرير، وهو العامل الذي يجب استخدامه لاجتذاب مزيدٍ من المشروعات إلى المنطقة. فعلى سبيل المثال، بإمكان دول الخليج السعي لإقناع الصين في الاستثمار في the proposed GCC railway والمشاريع ذات العلاقة. بالإمكان تطبيق التوجه ذاته في قطاعي الاتصالات والشحن البحري.الطريقة الثانية لاستغلال تجارة النفط القائمة هي تسخير الطرق التجارية لتصدير النفط والعلاقات القائمة ضمنها لصالح الاستثمارات غير النفطية. في 2014 وضمن جدول أعمال الاجتماع الوزاري المنعقد ضمن فعاليات منتدى التعاون الصيني العربي، استعرض الرئيس الصيني تشي جينبينغ استراتيجية التعاون «1+2+3». يرمز الرقم 1 في الاستراتيجية إلى التعاون في مجال الطاقة، ويرمز الرقم 2 إلى تحسين التجارة والاستثمار، بينما يرمز الرقم 3 إلى استكشاف سبل التعاون الممكنة في قطاعات جديدة مثل تكنولوجيا الفضاء والطيران وقطاع الطاقة البديلة. أيضاً، ولأهميته في الصين ودول مجلس التعاون على حدٍّ سواء، يعد قطاع الخدمات المالية مساراً مجدياً للتعاون. بمقدور دول مجلس التعاون استخدام مبادرة «حزام واحد، طريق واحد» لزيادة التعاون التجاري خارج نطاقها الإقليمي، خاصةً مع النمو الذي شهدته استثماراتها الصادرة من فئة الحقل الأخضر، والتي تنامت على مدى العقد الماضي. استقطبت الصين في 2014 أكثر من 6 مليارات دولار أمريكي من دول مجلس التعاون صُدّرت إليها على هيئة استثمارات أجنبية مباشرة FDI، وهو ما جعلها أعلى وجهة مستقطبة لهذا النوع من الاستثمارات الخليجية من حيث القيمة الإجمالية. فعلى سبيل المثال، استحوذت مجموعة فنادق جميرة من دبي على اتفاقات إدارة 5 مشاريع تحت الإنشاء في الصين. أيضاً، وبالرغم من القيود المفروضة على تملّك الأجانب للأسهم في البر الرئيس للصين، تتواجد عدة صناديق للثروة السيادية من دول مجلس التعاون للعمل في سوق الأسهم الصينية. مثل هذه الاستثمارات الخارجية تساعد في التأسيس لإقليم دول مجلس التعاون كمساهم مهم في الاقتصاد العالمي، ويزيد من احتمالات ازدياد الاستثمار الداخلي. بدأت العلاقة بين دول الخليج والصين بالتجارة، وتطورت لتشمل الاستثمارات والتعاون في المشاريع في الوجهتين. هذه العلاقة جديرة بالتوسع مستقبلاً لتشمل التعاون في المشاريع الواقعة على مسار مبادرة «حزام واحد، طريق واحد» بين الصين ودول التعاون. * باحث مساعد في البرنامج الجيو-اقتصادي والاستراتيجي، المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية IISS