تفرح الشعوب بالمواقف التي يتخذها حكامها تجاه الدول المستكبرة التي تعيث في أرض المسلمين فساداً وتحاول أن تنتهك سيادتهم وتتدخل في شؤونهم، وها هو واحد من المواقف الخالدة عندما قام الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- بطرد السفير الأمريكي عام 1988، احتجاجاً على تدخله بخصوص صفقة الصواريخ الصينية التي أبرمتها السعودية مع الصين، حيث كان السفير الأمريكي يعتقد أن إمضاء هذه الصفقة بسرية ودون علم واشنطن يمكن أن يؤثر سلباً على العلاقات السعودية الأمريكية. كذلك فرح الشعب البحريني عندما قامت حكومته بطرد القائم بأعمال السفارة الإيرانية عام 2011، وطرد مساعد وزير الخارجية الأمريكية توماس مالينوسكي عام 2014، كما فرحت الشعوب العربية بدخول درع الجزيرة إلى البحرين مساندة لها، والفرحة الأكبر عندما تم الإعلان عن بدأ عاصفة الحزم ضد الوجود الإيراني في اليمن.
نعم يطرد السفراء وتقطع العلاقات مع أي دولة لمجرد أن تتدخل في شؤون وسيادة البلاد، حتى وإن لو كان هذا التدخل أبداء رأي، فكيف إذا كان وراء هذا التدخل خطر محقق قد يصل إلى الاحتلال وقلب نظام الحكم، أو قد يكون لهذه الدولة يد في إثارة الفوضى والقلاقل، أو تكون العلاقة معها يشكل خطر على عقيدة الشعب، وهذا ما فعلته السودان عندما استغلت إيران علاقتها معها بنشر التشييع، فما كان من الحكومة السودانية إلا أن طردت الدبلوماسيين الإيرانيين وطلب مغادرتهم في خلال 72 ساعة، كما قامت بإغلاق مراكزهم الثقافية، وفعلت ذات الشيء عندما طردت مسؤولين كبيرين ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنهم الزعتري، لمجرد أنه بتصريحات في مقابلة مع صحيفة نرويجية انتقد فيها الشعب السوداني، وأغلقت السودان بالفعل مكتب حقوق الإنسان التابع لبرنامج الأمم المتحدة، كما طلبت من البعثة إلى إعداد خطة للرحيل، وطالبت أيضاً قوة حفظ السلام المشتركة التابعة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور إلى الرحيل.
إنها سيادة الدول التي ترفض أن يتدخل في شؤونها أو يعتدي على مقراتها، وهو ما فعلته بريطانيا عندما طردت السفير الإيراني وجميع الدبلوماسيين الإيرانيين من أراضيها عام 2011، وذلك لأن عدد من المتظاهرين الإيرانيين قاموا باقتحام سفارتها في طهران للتنديد بالعقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي، حيث منحت بريطانيا الدبلوماسيين الإيرانيين 48 ساعة لمغادرة أراضيها وإغلاق سفارة بريطانيا في طهران.
لقد قامت دولة الإسلام من الشرق إلى الغرب بطرد رؤوس الصفويين والصليبين دون أن تنتظر منهم رسالة تعاون أو تحالف أو هدنة، بل بادرت هذه الدولة العظيمة بالهجوم دفاعاً عن سيادتها وحدودها ودينها، فاتسعت حضارتها وتلاشت الإمبراطوريات التي تتحكم في العالم آنذاك، تلاشت عندما عرفت التصميم لدى الولاة المسلمين وقوة عزيمتهم وشجاعتهم، حيث حشدوا الجيوش وتصدوا لكل عدو يحاول أن يقترب من مملكاتهم، وكان نتيجتها أن فتحت بلاد فارس كما فتحت الدول الأوروبية.
لكن بعدما جاء ت مرحلة ننشد الأمن والسلام مع هذه الدول فتراجعت الحضارة الإسلامية لتحتفظ بما بقى لها من سيادة، فأصبحت الدولة الإسلامية العظيمة مجرد دويلات توازعها الغرب فيما بينه، فنهب ثرواتها وقتل شعوبها، ثم جاء بالنظام الصفوي ليشاركه في القضاء على ما بقى من سلالة العرب، وذلك لعلمه بخطر استمرارها في الحكم.
ما يحدث الآن هو تحالف صفوي صليبي تجند له أمريكا وإيران أتباعهما بعد أن شرع الاستعمار الأمريكي والأوروبي إدخال الغرباء للدول الخليجية، وذلك لنظرتهم البعيدة بأن هؤلاء الغرباء سيتم إعدادهم لتولي الحكم، وبالفعل تم هذا بالعراق، ثم باءت محاولاتهم بالفشل في البحرين وفشلت أيضاً في اليمن، وها هي اليوم تفشل في الكويت، حيث تم بفضل الله اكتشاف الخلايا الإيرانية قبل أن تعلن بدأ المؤامرة الانقلابية.
قلوب الشعب تنتظر فرحة كبيرة تغسل آلام الضيم والسكوت عن غرور أذناب إيران واستكبارهم في دول الخليج، عندما ظنوا أنهم قادرون على اغتصاب الحكم من أصحابه الذين ورثوا المجد من أجدادهم الأبطال الذين حرروا الكويت والبحرين وكسروا راية الفرس، هذه الفرحة لن تكون إلا بعدما تقطع الدول الخليجية علاقتها مع إيران قطعاً أبدياً لا رجعة فيه مهما بلغت الوساطة والتنازلات من إيران.