على الرغم من النقد اللاذع الذي وجهه الرئيس الإيراني حسن روحاني في شهر مايو الماضي لفرنسا، دون أن يسميها، بأن بلداناً غربية «تفخر» بعقود التسليح في الشرق الأوسط، عقب توقيع باريس مع الدوحة عقداً لبيعها طائرات رافال المقاتلة، الأمر الذي كشف حينها حجم الإرباك الذي تعيشه طهران بسبب التقارب الفرنسي الخليجي، وها هو اليوم يفتح ذراعيه لفرنسا كأنما يمد لسانه للخليج.
وزيارة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إلى طهران جزء -لدى عقلية الإدارة الإيرانية- من سباق المصالح المتوازي مع دول الخليج، رغم موقفه الذي اعتبرته طهران متشدداً خلال مفاوضات النووي، وربما تكون فرنسا أول دولة غربية ‏تستقبل الرئيس روحاني في الخريف المقبل.
وبالقطع لن ننسى أن طهران في أشد أوقات أزماتها لم تلغ أو تشكك في الشراكة الاقتصادية مع الفرنسيين، وحتى الرئيس الفرنسي جاك شيراك استطاع الالتفاف على قانون معاقبة الشركات العالمية التي تتعامل مع إيران.
وفرنسا دعمت طيلة فترة مفاوضات «إيران والـ 5+1» تطوير برنامج نووي سلمي في إيران، ولكنها رفضت بحزم حصول إيران على السلاح النووي، ومع ذلك فهي تسعى لتكون أهم الشركاء التجاريين لإيران في الفترة المقبلة لما بعد «الاتفاق النووي».
ولعل تخوفات طهران من التقارب الفرنسي الخليجي جاءت خصوصاً عقب الاستقبال الحافل الذي حظي به الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في العاصمة السعودية الرياض ومشاركته في القمة التشاورية لدول الخليج شهر مايو الماضي، وهو تقارب يحجم دور إيران في المنطقة.
وفيما يبدو أن باريس تحاول وسم علاقاتها في المنطقة بتوازن، حينما تتحدث عن مخاوف التدخلات الإيرانية في المنطقة، لكنها في ذات الوقت تحاول وضع مصالحها ضمن النظرة الكلية، كما الذي «يلعب على الحبلين».
ربما نجحت دول الخليج في تقاربها مع فرنسا في توضيح موقفها وخيبة أملها من سياسات الإدارة الأمريكية في المنطقة، ابتداءً من تقارب واشنطن وطهران، ومروراً برفض الولايات المتحدة توجيه ضربة عسكرية ضد نظام بشار الأسد في سوريا، لكنها قطعاً وجهت رسالة مفادها ألا اعتماد كلياً في التسليح على واشنطن، ودول المنطقة تشكل سوقاً مهماً في المجال العسكري بالنسبة للولايات المتحدة.
لكن المطلوب من دول المنطقة أن توسع تقاربها مع الدول الأوروبية بشكل أكبر، خاصة ألمانيا، التي تسعى لأن يكون لها موضع قدم في المنطقة، حيث أعطت في شهر يونيو الماضي الضوء الأخضر للشركات لتصدير الأسلحة إلى عدد من دول الخليج، منها قطر والإمارات والسعودية وسلطنة عمان والكويت، وتشمل مدرعات وأنظمة تسلح متنوعة، رغم أن قانونها يمنع تصدير الأسلحة إلى أي دولة خارج الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
ما يتضح للمراقب بشكل عام أن هناك سباقاً خفياً بين الدول الكبرى وبينها الصين للفوز بتقارب مصلحي مع دول المنطقة، باعتبارها سوقاً مهماً، وباعتبارها مفتاحاً للنفوذ في المنطقة، وعلى دول الخليج الاستفادة بقدر الإمكان من ذلك لصالحها.