سنفترض حسن النوايا في كل دعوة للحوار تظهر لنا بين الفينة والأخرى - سواء مع إيران مباشرة كدولة، أو عبر عملائها كمجموعات حزبية - دائماً ما يظهر لنا «وسطاء» طيبون يريدون الخير والصلاح للاثنين (الدول الخليجية وعملاء إيران) ويدعون دول المنطقة للحوار.
موضوعنا سيتجاوز نوايا الداعين للحوار، وسيقف عند مفهوم وقصة ومسألة «الحوار» بحد ذاته، لنضع بعض النقاط على الحروف قبل أن نسترسل رفضاً أو قبولاً، لنحدد أن «الحوار» يتم بين اثنين مختلفين في الرأي في الكلمة في الموقف، نجمعهما على طاولة للوصول لرأي متقارب لتقارب الأفكار لحل الخلاف الفكري إلخ. إنما «التفاوض» فهو الذي يتم بين اثنين في حالة حرب ميدانية يراد بجمع الاثنين على طاولة واحدة تحديد خطوط التماس الأخيرة على الأرض، إذن لا تشابه ولا تقارب ولا صلة بين الاثنين أبداً.
ما بيننا كدول مجلس التعاون وبين إيران الآن وهذه الساعة وبلا مواربة هي حالة حرب بالإنابة، إيران لم تجتاحنا بجيوشها ولكنها كما قال مساعد الحرس الثوري الإيراني حسين أسدي تجتاحنا عبر (بهائمها)، أي عبر القطيع الذي سيطرت إيران على عقولهم وقادتهم كما يقود الراعي بهائمه، فللتذكير قائد الحرس الثوري الإيراني قال إن إيران لا تحتاج إلى جيوش ولكنها تحتاج إلى بشر مسلوبة العقول، نحن إذن في حالة حرب مع المسلوبة عقولهم عملاء إيران مع الحوثيين عملاء إيران في اليمن ومع بقية أحزابهم في باقي دولنا الخليجية والعربية، هناك دماء خليجية سالت وأرواح أزهقت ومازال الحراك الميداني في أوجه وهناك ترسانات أسلحة أدخلت لأراضينا وهناك أموال وتدريب لطابور خائن، ببساطة هناك عمل ميداني يجري بين الإيرانيين والخليجيين في اليمن وفي البحرين وفي الكويت، تشارك فيه قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية جنباً إلى جنب، وأي جلوس على الطاولة في هذه المرحلة بالذات مع إيران هو دعوة «للتفاوض» معها على مكاسب وخسائر ميدانية وتحديد خطوط التماس بيننا وبينهم وليس دعوة «للحوار» نقارب فيها خلافتنا العقائدية أو السياسية أو غيرها كما يصور الأمر لنا وشتان بين الاثنين.
الحوار لا تترتب عليه نتائج، بعكس التفاوض، وعلى هذا الأساس يمكنك أن توجه دعوات الحوار في أي وقت لاثنين متخاصمين، إنما لا يمكنك أن توجه دعوات التفاوض في أي وقت وفي ظرف لاثنين يتقاتلان على الأرض، فهذان عنصران (الوقت والظرف الميداني) يؤثران على نتائج التفاوض بشكل كبير على الموقع الميداني، فلا نرمي بأقمصة عثمان أو نرفع المصاحف على كل دعوة ونسميها «حواراً» لمجرد أن نوايانا حسنة وأن لنا رغبة في الخير والصلح، حتى لا نتهم بالسذاجة و(العبط) الفطري.
ولا نندفع في تأييد الدعوات الطيبة المحلية أو الإقليمية ونحن غير ملمين بالواقع الميداني لأن تلك الاندفاعات -حسنة النية- لا تنتهي نتائجها على الطاولات فقط كما يصورون لنا الأمر إنما يترتب عليها تغيير الخارطة والحدود السيادية والسياسية، والاندفاع لتلبية تلك الدعوات في غير وقتها وغير ظرفها المناسب لدول الخليج، يدفع ثمنها من هم في الميدان من أبنائنا الذين تراق دماؤهم وتزهق أرواحهم، ومن لا يعرف الفرق بين الحوار والتفاوض ليبتعد عن المشهد تماماً ولا يتبرع بقبول أو رفض الدعوات، فهو يشكل خطراً كبيراً ومؤثراً على المواقع الميدانية.
الزبدة ردود الفعل حتى الخطابية منها بأي شكل من الأشكال على الدعوات للحوار للمصالحة للوحدة للتعايش لل .. لل .. لل فيما يجري هناك حراك في الميادين وأسلحة ومتفجرات وتفخيخات وقوات مسلحة تخوض حرباً دون تنسيق مع من هم في الميدان يعد عبثاً ولهواً بأرواح البشر ومصائر البلاد والعباد، فالحوار (غير) والتفاوض (غير).