منذ أن ولدنا تمنحنا الدولة رقماً لإثبات هويتنا في جميع السجلات والمعاملات، رقم شخصي نستطيع من خلاله أن نثبت هويتنا حيث من السهل جداً أن نتعامل بهذا الرقم الذي لا يملكه أحد سوانا فهو رقم شخصي ولا يقبل المشاركة. ومنذ أن حظينا بشرف الحصول على هذا الرقم تبدأ قصتنا الحقيقية مع الأرقام، فرقم قد يجعلك مستفيداً ورقم آخر يجعلك خارج اللعبة.
فالأرقام في مملكة البحرين لها طابع مميز؛ وتعامل خاص وغموض مريب.. فمثلاً لكي يحصل المواطن البحريني على علاوة غلاء المعيشة يجب أن يقل راتبه عن 700 دينار فقط. ونتيجة هذا (الرقم) أصبح الكثيرون لا يستحقون علاوة المعيشة أسوة بباقي المواطنين، وكأن الغلاء يعاني منه من هو راتبه أقل من 700 دينار فقط ولا يلامس من يفوق راتبه هذا الرقم..!!
المعيار في نظر من وضع هذا الرقم غير واضح لنا نحن المواطنين، فالغلاء يعاني منه الجميع وهو ليس حكراً على من يتناقص رقمه أو يزداد.
ليس هذا وحسب؛ حتى الخدمة الإسكانية يحرم منها كثير من المواطنين بسبب رقم أيضاً؛ حيث تنص المعايير الإسكانية على أن أي شخص يفوق راتبه 1200 دينار لا يستطيع الانتفاع بأي خدمة إسكانية! والغريب في الموضوع أن المشروع الإسكاني الرائد المسمى بالسكن الاجتماعي مرتهن برقم! المواطن هو من سيستدين.. وهو من سيسدد القرض، فلماذا تضع له (أرقاماً تحده من حصوله أو انتفاعه من خدمة سكنية)؟
طبعاً أنا هنا لا أخاطب وزارة الإسكان بتاتاً، فلقد يئست حقاً من أن أحصل على رد منطقي أو حتى رد غير منطقي من هذه الوزارة التي لا تريد أن تفتح أذنيها للرأي العام أبداً وتتجاهلنا؛ بل أخاطب السادة النواب «اللهم اجعل كلامنا خفيفاً عليهم»، وأتمنى أن تتسع صدورهم لسماعنا، حيث إن من الملاحظ أن نواب الشعب أصبحوا حساسين من كلام ناخبيهم أيضاً.. وأصبحت ردودهم المتجهمة على كتاب الأعمدة تعكس هذا التحسس.
يا نواب الشعب.. كيف يتم إقرار هذه الأرقام التي تسمونها بالمعايير؟ كيف لشخص أن يحصل على قرض لشراء بيت تحت مظلة السكن الاجتماعي بـ 90 ألف دينار؟ ولماذا تشترطون عمراً لبناء البيت؟
دع السوق العقاري تنشط واجعل الجميع يستفيد من الخدمات الإسكانية، إذا ما رغب المواطن في ذلك، فكما ذكرت سابقاً أن المواطن هو من سيستدين وهو من سيسدد القرض! ولا أود هنا أن أبخس الحكومة حقها فهي تقوم بعمل رائع في مجال إعطاء قروض ميسرة سواء عن طريق بنك الإسكان أو البنوك التجارية. فلماذا نجعل حياة المواطن البحريني تحت رحمة (رقم) يحدد له أين يسكن وماذا يسكن؟ حتى المكافأة الرائعة التي تم الإعلان عنها للمتقاعدين لماذا تم تقييدها برقم؟ فهل المتقاعد الذي يحصل على راتب تقاعدي أقل من 700 يختلف عن المتقاعد الذي يحصل على 750 أو 800 أو أكثر؟! أليست هي (مكافأة للمتقاعدين) أم هي مساعدة لهم؟ أتمنى أن تسموا الأمور بأسمائها لكي نفهم لغة الأرقام. ومع أني من المحبين جداً للرقم 7 إلا أنني بدأت أتحسس منه بسبب تعطيله للكثير من أمور حياة المواطن البحريني.
أرقام كثيرة تلاحقنا وتسيطر على حياتنا.. لست بصدد الحديث عنها كلها اليوم، ولكن لدي استفسار ورجاء صغير أوجهه إلى أصحاب الأمر؛ لماذا لا ينتفع الجميع؟ هل هذا مستحيل؟ هل هذا صعب؟ لماذا نجعل الأرقام تعطي أحدنا وتحرم الآخر؟ لست ضد أن يكون هناك معايير ولكني أتساءل مثل باقي المواطنين لماذا يحصل من راتبه أقل 1200 على وحدة سكنية ويحرم من راتبه 1210 من هذه الخدمة؟ لماذا يحرم المتقاعد من حقه في المكافأة؟ حتى وإن كان راتبه التقاعدي 2000 دينار ؟ لماذا يضطر المواطن أن يكره الزيادة البطيئة في راتبه والتي تحرمه من الانتفاع بعدد من الخدمات؟ لماذا نجعل المواطن البحريني في دوامة الأرقام؟ لماذا نجعل حياة المواطن البحريني مرتهنة برقم يحدد مصيره؟ لماذا لا نجعل المعيار أن يكون بحرينياً فقط؟!