كثيراً ما يتوهم ممن يتصدى للعمل السياسي والإعلامي ويخلط بين الإعلام المضلل والوقائع على الأرض والتي تسوقه الآلة الإعلامية للدول الكبرى وكثير من الأحزاب والتجمعات والأفراد، وينتج عن ذلك تخبط في اتخاذ القرارات، لتترجم إلى شد وتراخ في الإجراءات الاحترازية وتخلق (توتراً وابتعاداً) أو (تفاهماً وتقارباً) في العلاقات الدولية، ويتبين في نهاية المطاف أن جميع ما تم اتخاذه من قرارات كانت تسير بالاتجاه المعاكس، فتحرج تلك القيادات والدولة أمام شعوبها وتتعرض لاهتزازات عنيفة تسقطها أو تحيلها إلى تابع ذليل ينفذ أجندة أعدائه مرغماً، مما ينعكس سلباً في حياة الشعوب واستقرار البلدان.
وحقيقة الأمر أن وطننا العربي واقع تحت إعلام ظالم مضلل خطير تتجاذبه الدول الكبرى، ومن الصعب أن تحصل على المعلومة الصحيحة، وحتى اللقاءات والزيارات والاجتماعات التي تعقد مع أرفع القيادات لتلك الدول تكاد تخلو من البحث عن مستقبل دولنا أو الالتزام بدراستها والشروع بحلحلتها، فأعلى سقف يصدر عنهم هو تطمينات يتبين لاحقاً أنها محض كذب ومراوغة.
وقد استطاع ساسة طهران في هذا العقد تلقين قادة وسياسي كبريات الدول فن «التقية» في التعامل معنا، والذي كان محصوراً في العبادات، فشمل تحت رعايتها كل مناحي الحياة.
وكل ما يرشح للإعلام بعد كل لقاء هي ابتسامات عريضة وتطمينات ونقل رسائل شفهية عن زعمائهم، ولم تلتزم أي دولة بعهود ومواثيق للشروع في انتشال الشرق الأوسط من أزماته وإطفاء الحروب المشتعلة فيه.
إن ما يتم تداوله هذه الأيام من أخبار بالترقب في حدوث تغيير جذري وانفراج في المنطقة، خصوصاً بعد الاتفاق النووي مع إيران هو ضحك على الذقون، فقد تبين أن السياسة الغربية والإيرانية متطابقة وثابتة، وما يبثون من أخبار مضللة غايتها تخديرنا ليستمر مشروعهم الشرير في تفتيت ثم ابتلاع المنطقة، لكن بعد أن تنهك حروباً وتستنزف اقتصاداً.
لكن انطلاق عاصفة الحزم غير المتوقعة وبعض الإشكاليات في وثيقة النووي أخر من مشروعهم، لكنهم امتصوا الصدمة وتحركوا في سباق مع الزمن وصدرت الأوامر لخلاياهم النائمة بقرب ساعة الصفر، وستشهد المنطقة المزيد من التوتر ويجب أخذ أعلى درجات الحيطة والحذر، وهنا لا بد أن نعرض نماذج من الإعلام المضلل..
في الملف السوري؛ الأخبار المضللة هي أن القيادات الروسية والصينية قد بدلت موقفهما من النظام السوري، ولم تعد تهتما لمستقبل بشار الأسد، وتارة يتم تسريب أن المملكة العربية السعودية أشاحت بوجهها عن تشكيلات المعارضة السورية بكل عناوينها، وواقع الحال يكذب كل ذلك؛ فآلة الحرب مازالت مستعرة وموقف السعودية مازال ثابتاً، ومازال الموقف الروسي والصيني كما هو، ومازال الأسد موغلاً في دماء شعبه.
وعن السياسة الإيرانية في الخليج يظهر لنا فجأة جواد ظريف بتصريحات عن رغبة إيران بأن تكون جاراً طيباً، لكن حيلتهم هذه لم تصمد، فإذا به وبعد أسابيع يخرس هو ومرشده أمام اكتشاف خلايا لحزب الله اللبناني في المنطقة ومعسكرهم وأسلحتهم الثقيلة في دولة الكويت الشقيقة، مما ذهب بكلامهم أدراج الرياح.
وفي الشأن اللبناني؛ نسمع أن هنالك دعماً دولياً لحسم تعيين رئيس للجمهورية، وذلك البلد مازال قراره أسير الولي الفقيه، ولم يحصل بعد التفاهم مع فرنسا وأمريكا لحسم ملفه.
وفي الملف العراقي؛ فقد استطاعت تلك الآلة الإعلامية في تسعينات القرن الماضي تضليل الرأي بضرورة إزاحة صدام حسين وحكومته وحل جيشه بحجة تشكيلهم خطراً على السلم العالمي وامتلاكهم ترسانة من الأسلحة الكيماوية، فتبين لاحقاً كذبهم، وقد اعترفوا بذلك على لسان وزرائهم وجنرالاتهم لكن بعد أن قبضوا الثمن وغادروا السلطة.
ويتم الترويج اليوم مرة أخرى بأن أمريكا عادت بقوة إلى العراق لتدعم حكومة العبادي وتحجم دور إيران، ودفعها بالعبادي لإزاحة صقور حزب الدعوة والأحزاب الدينية عن المشهد بالسماح بانطلاق التظاهرات وعنوانها اجتثاث الفساد وتقديم المالكي وطاقمه للمحاكمة، وكان الشارع العراقي يترقب ويحبس أنفاسه لرؤية دكتاتوره الذي مزقه ونهب خزائنه وراء القضبان، وإذا به يعود متحدياً الجميع بموكب رئاسي ويتم استقباله كالفاتحين بعد أن رجع من قم حاملاً معه صك الغفران، ومستبقاً عودته بتصريح خصه به خامنائي واصفاً إياه بـ «قائد الأمة الإسلامية».. وواقع الحال أن إيران وأمريكا شعرا أن الشعب العراقي قد سئم تلك الوجوه ولا بد من إحداث تغيير فاتفقا على أن يتم التغيير لكن ليس في السياسة بل في الطاقم.
أما في الشأن البحريني؛ فيتعمد الإعلام الغربي أن يضلل الرأي العام ويروج للأخبار التي لا تمت للحقيقة بصلة، فيضخم أي حدث ويركز على اعتقال (الإرهابيين) ويحسن من صورتهم ويقدمهم كرجال معارضة مسالمين تضطهدهم الحكومة، ويخفي متعمداً سبب الاعتقال من بث الرعب وأعمال التخريب والتخابر مع إيران، ويقفز على الحقائق ويحذف من كل نشراته وتقاريره استهدافهم للقوات الأمنية، ويريدوا من الحكومة أن تبقى متفرجة وتمد يدها لشرذمة من الملطخة أيديهم بدماء الأبرياء! أي منطق وأي إعلام مضلل نتعرض له؟!
إذا المشكلة التي يقع بها كثير من ساستنا ومثقفينا، وحتى العامة، هي الخلط بين المعلومة المضللة والتحليل وبين الرأي والخبر، فكثير ما نسمع من كبار القادة تصريحات رنانة تطلق مجاملة وضمن اللياقة الدبلوماسية، لكنها تخلو من أي برنامج، وبالنتيجة لا تغني ولا تسمن من جوع.
ومعروف أن السياسة هي فن المكر والخداع، ويا للأسف فقد تم تضليلنا واستغلالنا لعقود حد النخاع.. فهلا اتعظنا!