أرسل لي صديق من الشقيقة الكبرى، وهو كاتب صحافي، العبارات التالية «أكذب من هؤلاء الدعاة ما شافت عيني.. يستنهضون شباب الوطن للانتحار في مواطن الفتن (جهاد) وأولادهم في أمريكا وأوروبا يدرسون.. وهم دب في هالكبسات»، مضيفاً «إن الجهاد الحقيقي هو الجهاد ضد التخلف والتطرف وعقوق الأوطان ودعاة الضلال» و«من ارتضى أن يكون مطية لدعاة الضلال ولبس الحزام الناسف أقول له خيانتك لوطنك عار عليك وجهنم تنتظرك.. ولو أن هناك جنة وحوريات لمنتحر لسبقك إليها محرضوك وعيالهم».
كتب هذا تعليقاً على ما جرى في السعودية والكويت من تفجيرات، وما تلاها من تهديدات لغيرهما من دول التعاون، فعبر عن الرفض الشعبي لهذا التفكير القاصر وأوصل رسالة إلى الآباء والأمهات مفادها أن انتبهوا إلى أبنائكم كي لا يغويهم شياطين الإنس الذين يدفعون بهم إلى الفناء، بينما هم «يضربون بالخمس» ومطمئنون على أبنائهم الذين رتبوا لهم أفضل حياة في أمريكا وأوروبا.
صديقي هذا انتقد هؤلاء الدعاة في بلاده ورأى أنهم «ساس البلى»، وما قاله عنهم ينطبق تماماً على «ساس البلى» الذين يدفعون بأبنائنا هنا في البحرين إلى التهلكة بينما هم «يضربون على المجبوس بالعشر»، وأبناؤهم يعيشون في أمريكا وأوروبا في راحة وأمان. لا فرق بين هؤلاء وأولئك، كلهم من طينة واحدة، وكلهم يعيشون مرتاحين ومطمئنين على فلذات أكبادهم، وكل ما يفعلونه هو أنهم يحرضون الآخرين مستخدمين ألسنتهم، ويشجعون من بعيد.
صديقي يقول لو كان ما يدعيه أولئك ويغرون الشباب من غير أبنائهم به صحيحاً لاختاروه لأنفسهم ولأبنائهم، فأي مجنون هذا الذي يترك الجنة والحور العين للآخرين ويقف متفرجاً وبعيداً عن كل ذلك؟ والأمر نفسه نقوله نحن لأولئك الذين اختاروا العيش في الخارج، لو أن ما يدفعون أبناء الآخرين إليه يمكن أن يوصل إلى الكرسي لاختاروه لأنفسهم ولأبنائهم، ولما اختاروا متابعة ما يحدث في الساحة هنا من بعيد عبر اللابتوب والواتس أب.
بعض المقيمين في لندن منذ سنوات طويلة ينشرون في اليوم الواحد عشرات التغريدات، كلها تحرض أبناء الآخرين في الداخل على الخروج إلى الشوارع وممارسة أعمال التخريب، ثم عندما يقعون في أيدي رجال الأمن ويحكم عليهم بالقانون يحتسبونهم رجالاً ومناضلين شرفاء، ولا يستطيعون أن يفعلوا لهم شيئاً سوى المطالبة بإطلاق سراحهم «فوراً» من خلال تغريدات وتصريحات تهتم ببثها فضائية «العالم» الإيرانية، والتي تقوم بالدور نفسه الذي يقوم به هؤلاء «المناضلون» وأولئك «الدعاة».
المثير هو أن الشباب الذي يستجيب لأولئك المحرضين والدعاة يعلمون أن أولئك لا يسمحون لأبنائهم أن يشاركوا في أي نشاط يحرضونهم عليه، ومع ذلك يفعلون ما يؤمرون ولا يسألون حتى عن سبب تخبئة أولئك لأبنائهم أو عن سبب ممارسة أولئك التحريض والدعوة من بعيد. هذا أمر مثير حقاً ويحتاج إلى دراسة وتفسير علمي لمعرفة الأسباب التي تجعل هؤلاء يسيرون منقادين لأولئك ولا يترددون عن القيام بأي عمل من أجل عيونهم.
الذين يرتدون الحزام الناسف ويفجرون أنفسهم يكونون في الغالب قد تعرضوا لعملية غسيل مخ، أي أنهم وصلوا بسبب الشحن المدروس إلى مرحلة يكونون فيها على استعداد تام لعمل كل ما يطلب منهم من دون تفكير أو تردد، فهل يفعل الآخرون الذين توكل إليهم مهام اختطاف الشوارع وإشعال النيران في إطارات السيارات والخروج في مسيرات ومظاهرات والمشاركة في الاعتصامات كل ذلك للسبب نفسه؟
هناك بالفعل شيء يستحق البحث والدرس، فهؤلاء مثلاً على استعداد للتضحية بأنفسهم من أجل نيل رضى إيران ومرشدها، رغم أنهم يدركون جيداً أن إيران لا يمكن أن تعطي من دون مقابل.