الأسبوع الماضي زرت الأردن، بلد النشامى، لعدة أيام تنقلت فيها بين العديد من المدن والقرى في الشمال.
في أحد مطاعم عجلون القريبة من قلعة صلاح الدين انضم إلى طاولتنا صاحب المطعم الذي لفتنا بأخلاقه العالية وظرفه وتعليقاته الحلوة ودار حوار عام، في الأثناء قال له صديق سعودي بعد أن قرر الدخول في الحوار «صل على النبي» قبل أن ينتبه إلى أن الرجل اسمه بطرس وأنه مسيحي، فاستدرك بتوقفه للحظات عن الحديث وابتسم، لكن بطرس قال بهدوء «عليه الصلاة والسلام» وتحدث عن العلاقة المميزة بين المسلمين والمسيحيين في الأردن وأثنى على العديد من الشخصيات الأردنية المسلمة التي قال إنها كانت له عليه أفضال لا ينساها.
في الأردن أيضاً التقيت بزياد، الابن الأكبر لطارق عزيز وزير خارجية العراق في عهد الرئيس صدام حسين، وهو مسيحي، وخلال النقاش الذي دار حول العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في العراق قبل أن تحكمه الطائفية وتسيء إليه لاحظنا أنه يضع في رقبته سلسلة ذهبية معلق بها آية الكرسي، فسألناه عن هذا التناقض، فقال إن الجميع كان يتعايش في العراق قبل الاحتلال وقبل أن يبتلي بالطائفية البغيضة، ووفر بعض القصص عن مشاركته ومشاركة رجال ونساء من عائلته في مراسم عاشوراء في كربلاء والنجف وحرصهم على المساعدة في أعمال الطبخ بل قيام بعضهم بالنذر للأئمة.
أبو طارق، ابن الراحل طارق عزيز، تحدث طويلاً في هذا الموضوع، وجاء بالعديد من الأمثلة عن خلو العراق سابقاً من الطائفية، وعن امتلائه اليوم بهذا المرض الذي دمره حتى صار التعيين في الوظائف يتم بناء على الانتماء للمذاهب، بل للتيارات والمرجعيات، فالمسؤول المنتمي لهذا المذهب لا يوظف إلا المنتمين إليه بل من ينتمي إلى التيار الذي ينتمي إليه ويقلد المرجع الذي يقلده.
مسيحيون في العراق تعايشوا طويلاً مع المسلمين هناك، ومسيحيون في الأردن يعيشون متآخين متحابين مع إخوانهم من المواطنين المسلمين، وبطرس وزياد مثالان رائعان يؤكدان مسألة التعايش ورفض كل عاقل للطائفية، والأمثلة في لبنان في هذا الخصوص كثيرة، وكذلك في دول أخرى يتكون سكانها من مسلمين ومسيحيين.
هنا في البحرين عشنا وعاش آباؤنا وأجدادنا متآلفين متحابين بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم وأصولهم وألوانهم، ووفروا مثالاً جميلاً ولافتاً قبل أن يتسبب ذلك البعض في الإساءة إلى التعايش والنظر إلى الأمور من زاوية ضيقة لا تليق بالبحرين وشعبها. من هنا فإن العالم كله ينظر اليوم إلى المثال الجميل الذي يقدمه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، والذي لم يكتف بالدعوة إلى أن يكون التعايش بين الأديان في البحرين وحدها وإنما في كل العالم، واهتم بأن تكون البحرين مثالاً في هذا الخصوص، فسعى إلى توفير كل ما قد يعين على ترسيخ هذا التوجه الإنساني الرائع من أنظمة وقوانين ووضع أساس العديد من المؤسسات التي تؤكد هذه المبادئ وتمارس الأنشطة التي تسهم في تحقيق هذا الهدف، فالبحرين التي كانت ضد الطائفية ينبغي أن تظل كذلك، والبحرين التي كانت مثالاً للتعايش يجب أن تبقى مثالاً للتعايش بل يجب أن تصير مثالاً صاخباً للتعايش يؤلم الطائفية والطائفيين ويحرج كل من اختار أن يكون سالباً ويحاول أن يحرف ما سار عليه الآباء والأجداد في هذا الوطن المثال.
نظرة سريعة إلى مشروع صاحب الجلالة الملك المفدى في هذا الخصوص والذي أثنى عليه زعماء مختلف الطوائف التي شاركت وتشارك في المؤتمرات التي تقام تحت رعاية جلالته تكفي لتأكيد أن البحرين تستوعب الجميع وأنها بلد التعايش وأنها ترفض كل محاولات إفساد ما سارت عليه طويلاً.