^ بيان الرئيس التنفيذي لشركة طيران الخليج المنشور بالأمس إضافة إلى وضعه الجميع في كفة واحدة، جاء بأسلوب غير موفق تماماً حينما قال إن وسائل الإعلام طالعتهم بآراء لكتاب وخبراء طيران واقتصاد يرددون فيها “بلا وعي” بأن هناك فساداً في طيران الخليج. كان حرياً الرد على ما يتناوله الكتاب وخبراء الطيران والاقتصاديون وقبل كل ذلك النواب، كلٌ على حدة؛ لأن ما تضمنه البيان من صيغة جماعية، مسألة نرفضها تماماً من خلال التعميم والخلط بشأن أمور لم نتطرق لها أصلاً، وكان المفترض الرد والإيضاح بشأن النقاط التي تناولناها لا ما تناوله الغير. أتحدث عن موقفنا الشخصي من الرد، إذ لم نسئ لرئيس الشركة ولم نقل إنه “يدير الشركة بلا وعي”، حتى يصف من يختلف معه ومن ينتقد أداءه بأنه يتحدث عن الفساد في الشركة “بلا وعي”! بالتالي هذا وصف نرفضه. كما إننا لم نطعن في سمعة أحد وشرفه ولم نتطرق لأشخاص أو نكتب باستهزاء حتى تساق هذه الجملة “جزافاً” وتعمم على الجميع، بالتالي ردكم الذي “عممتموه” على الجميع فيه اتهام أيضاً نرفضه، وهو يكشف بأن الإدارة التنفيذية للشركة ليست متابعة جيدة لما نكتبه ويكتبه الآخرون حتى يمكنها التفريق بين من يريد مساعدتها على إصلاح وضع الشركة عبر النقد البناء ومن يريد انتقادها لمجرد الانتقاد. ندخل في صلب الموضوع الآن للحديث بشأن السبب الذي أثار هذا الغبار ويبدو أنه استدعى الرد. لسنا نتحدث عن تصريحات عديدة من نواب ومعلومات كشفتها تقارير عدة لديوان الرقابة المالية على امتداد سنوات وشهور ماضية، بل نتحدث عن تصريح لرئيس اللجنة المالية في مجلس النواب النائب علي الدرازي قال فيه بالنص: “سكرتيرة أحد المسؤولين بشركة طيران الخليج تتقاضى أجراً يتجاوز سبعة آلاف دينار”. يتضح تماماً بأن هذه المسألة هي التي دفعت الشركة لإصدار هذا البيان، لكن البيان للأسف لم يتحل بالشجاعة الكافية ليقول بنص صريح رداً على كلام رئيس اللجنة المالية النائب المعني بأن “كلام النائب عار عن الصحة”! مثلما هو حال الرئيس التنفيذي لأي شركة بكونه مصدراً للمعلومات والأخبار، مثلما هو حال أي فرد له شخصيته الاعتبارية، فما بالكم برئيس للجنة المالية في مجلس النواب ونائب له صلاحياته عبر الأدوات الرقابية؟! بالتالي تصريح رئيس اللجنة المالية نشك بأنه جاء من فراغ أو من نقص في المعلومات. في جانب آخر، كان حرياً بالشركة -لو كانت المعلومة غير صحيحة- أن ترد على تصريحات النائب من فورها، لا أن تنتظر أياماً وليالي حتى تتحرك بعدها وبعد أن انتشرت المعلومة وصارت حديثاً على كل لسان، لتقوم الشركة بـ«تعميم” أوصاف مسيئة على غرار “بلا وعي” أو “الخوض في أعراض الناس” على كل من انتقدها في أدائها. لم أجد في رد الرئيس التنفيذي ما يشير إلى رئيس اللجنة المالية صراحة، بالتالي لم يفدنا ولم نعرف ما إذا كان النائب علي الدرازي “غير مصيب” في تصريحه! في نفس يوم الرد، أي بالأمس، يخرج النائب عبدالحميد المير ليقول ما نصه: “هل يعقل أن تتقاضى موظفة أجنبية مسؤولة عن مراقبة مظهر الطائرة 4500 دينار، وأخرى تدخل معلومات على الكمبيوتر تتقاضى 3050 ديناراً بعد أن كانت مضيفة جوية؟!”. للتوضيح ليس إلا، إذ بات هناك مَن لا يفرق بين من يورد المعلومات وبين من يتساءل بشأنها، وهناك من لا يعرف دلالة “علامة التعجب” في العناوين أصلاً. للتوضيح بأن هذا كلام نائب آخر، ولا أدري إن كانت الشركة ستصدر بياناً آخر تنفي فيه ذلك. إن كان من نية لذلك فنرجو إفادتنا بمسألة واضحة تماماً نريد أن نعرف لها جواباً. هل ما يصدر عن أعضاء السلطة التشريعية بشأن طيران الخليج أمور لا يجب أن نصدقها؟! هل النائب -في نظركم- حينما يتحدث عن فساد وسوء إدارة واضح وخسائر بالأرقام يتحدث من منطلق الـ«اللا وعي”؟! إن كانت الإجابة بنعم، فنرجو توجيهها “وبشجاعة” لمصادر المعلومات وهم النواب الذين بعضهم ضالع في ملفات مرتبطة بلجان تحقيق في شركتكم أو شركات أخرى. أما عن نفي شبهة وجود فساد مالي، فأنا شخصياً أتمنى ذلك ولا أشكك في نزاهة أحد، لكن في جانب آخر، السلطة التشريعية الممثلة بعدد من النواب الذي يملكون حق الرقابة والمساءلة يقولون العكس. فرئيس لجنة التحقيق السابقة في ملف التجاوزات النائب عبدالحليم مراد له من التصريحات عن حالات التجاوز المالي والإداري ما شاء الله، ولكن لماذا نعيدكم للماضي؟! ها هي كتلة الأصالة الإسلامية التي ينتمي لها النائب ستعقد غداً الثلاثاء بمقرها في البسيتين ندوة لبحث طلب ضخ 664 مليون دينار لطيران الخليج لتغطية خسائر الشركة بعد أشهر قليلة من ضخ الحكومة لـ400 مليون دينار. وبحسب مراد فإن الندوة ستبين موقف الأصالة ومجلس النواب “في ظل فشل كل تعهدات إصلاح الشركة والقضاء على خسائرها واستمرار الفساد وإهدار المال العام”. كما يقول مراد بالنص: “الندوة لن تبحث فقط الطلب الحكومي، لكن ستبحث الوضع العام لطيران الخليج، والفساد والتجاوزات المسكوت عنها، والحلول المثلى لهذه الإشكاليات”. طبعاً هذا كلام رئيس لجنة التحقيق البرلمانية السابق في تجاوزات طيران الخليج النائب عبدالحليم مراد، والذي لديه الكثير من المعلومات والملاحظات التي تبين وجود فساد إداري ومالي في الشركة، ولكننا إن سلمنا بما ورد في بيان الإدارة التنفيذية للشركة يوم أمس، فإنه سيؤسفنا القول للنائب مراد بأنك “غير مصيب”، كما “لم يصب” قبلك النائب الدرازي رئيس اللجنة المالية في شأن موضوع السكرتيرة، وكما بالتأكيد “لم يصب” النائب المير بشأن الموظفتين في تصريحه بالأمس، إذ من بيان الرئيس التنفيذي لطيران الخليج نتعلم بأنكم يا نواب حينما تتحدثون عن سوء وضعية طيران الخليج وخسائرها ومعكم الكتاب والصحفيون وخبراء الطيران والاقتصاد والمواطنون فإنكم تتحدثون “بلا وعي” وبأنكم تنتقدون بهدف الإضرار بوطنكم لا خوفاً على المال العام ووضع الشركة الذي سيتهاوى الآن أكثر لأنه تم “التشهير بها”. لكنني شخصياً سأتمسك بمقولة الرئيس التنفيذي بأنه لا شبهات فساد مالي بحسب ما تقوله شركات التدقيق العالمية (حتى لا نسيء لمصداقية هذه الشركات التي تقدم خدماتها مقابل أجر مالي)، بل لن ألتفت لما تقوله تقارير الرقابة المالية وما كانت تقوله الدراسات الاقتصادية عن وضع الشركة وأنها كانت تخسر يومياً مليون دولار، ولن أعلق على إغلاق عديد من الخطوط أو صفقات شراء الطائرات أو الرواتب الخيالية لبعض الموظفين بالأخص الأجانب، لن أمضي مع كل هذا، وسأقول مثلما يقول الرئيس التنفيذي بأنه لا شبهات فساد مالي في الشركة، لكن ذلك ما سيدفعني إلى التشخيص والنتيجة التاليين: إن كانت لا توجد شبهات فساد مالي، فإن الوضع غريب جداً حينما تمضي الشركة في خسائر متوالية، وحينما تستعرض خطة محكمة لنقل وضعها للربحية وتقنع مجلس الشورى بها ويتم تمرير قرض الـ400 مليون دينار، لتعود بعدها بأشهر لتطلب 664 مليوناً أخرى، فإن النتيجة (والتي ليست سراً أو اكتشافاً خطيراً) تشير إلى أن السبب هو: سوء الإدارة وعدم القدرة على إدارة دفة الشركة بصورة صحيحة وفق خطة تنقذها من الوضع الذي تعاني منه. ولن أقول هنا “إدارة بلا وعي” مثلما وصفتم من يختلف معكم ويقول إن هناك سوء إدارة وفساد في الشركة بأنه يتحدث “بلا وعي”. كنت أعول سابقاً على إصلاح وضع الشركة، وكتبت ذلك مراراً وحتى في مقال الأسبوع الماضي ظناً بأن من يقومون عليها يقرأون ويستوعبون ما يُكتب، لكن بعد ردكم تبين لنا بأن هناك من لا يقرأ، وإن قرأ لا يستوعب، وبدلاً من أن يعمل على الاستفادة من نصائح الجميع ويطلب النقد البناء ويعمل بشفافية، بات يمارس أسلوب “الضرب في المليان” لمن ينتقد سياسته التي لا نعرف عنها سوى الطلب من الحكومة كل بضعة أشهر بإمدادها بملايين الدنانير، ويسعى لتمرر من مجلس النواب. ختاماً نقولها: أسفاً على طيران الخليج، أسفاً على موظفيها البحرينيين الذين قد يفاجأون بيوم لا يجدون فيه شركة قائمة ليعملون فيها، فالإدارات التنفيذية تذهب وتأتي مثلما يبين تاريخ الشركة، لكن يبقى الموظفون البحرينيون هم المتضررون أولاً وأخيراً.