شيئاً فشيئاً تتكشف حقيقة إيران المدعية بأنها تناصر قضايا الإسلام وتقف معها موقف الثبات.
يوماً إثر يوم يتضح أن الكلام الذي يغذي به خامنئي ومن قبله من قيادات سياسية تتخذ الدين «أداة» لتطويع البشر كلام لا مصداقية له، بل هو للاستهلاك الجماهيري وللتأثير على البشر.
حينما أُخرج الإسرائيليون من جنوب لبنان قبل عقد ونيف، ظن العرب بأن «حزب الله» اللبناني «الذراع العسكري لإيران» قد حقق انتصاراً باسم العروبة، لكن الحقيقة المرة أنها كانت خطوة لتأسيس دولة إيرانية صغيرة في داخل الدولة اللبنانية، والأيام أثبتت ذلك. فمنذ ذلك اليوم لم يوجه «حزب الله» صواريخه تجاه الأراضي المحتلة أو إلى تل أبيب، بل وجه صواريخه وعتاده وقواته إلى صدور العرب بالأخص المختلفين معه مذهبياً.
إذ بينما ينكل الإسرائيليون بالفلسطينيين ويفرضون حظراً هنا ويدكون المنازل هناك ويقتلون الأبرياء والرضع بالقنابل، كان أمين عام «حزب الشيطان» حسن نصر الله يكتفي بالصراخ خلف الشاشات تحت مسمى «الخطابات الثورية»، لكنه في سوريا وجه اسلحته في تضامن مع المجرم بشار الأسد إلى السوريين الأبرياء وبالأخص من المذهب السني، بل جعل معسكراته «وقفاً» متاحاً لكل «عناصر خائنة» لأوطانها لتتدرب عسكرياً وتحمل السلاح.
من كانت تسميه إيران «الشيطان الأكبر» ها هي تتحالف معه اليوم في إطار اتفاق نووي يخدم مصالحها الاقتصادية ويفرج عن ملياراتها المجمدة، وقبل أيام «وهو بيت القصيد هنا» نشر إعلان جداري كبير على بناية في تل أبيب كتب عليه «قريباً ستفتتح هنا السفارة الإيرانية في إسرائيل».
للعلم، هي ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن فتح سفارة إيرانية في الكيان الصهيوني الغاصب للحق الفلسطيني الذي تدعي إيران و»حزب الله» بأنها - أي القضية الفلسطينية - قضيتهم الأولى ودفاعهم المقدس.
نظام الشاه الذي أنهاه الخميني بثورته التي بدأت مشروع التوسع «الصفيوني» كان يرتبط بإسرائيل باتفاقيات تجارية وتعاون فني وزراعي. بل اشترت إيران قبل عام 1979 من إسرائيل قطعة أرض في تل أبيب لإنشاء مبنى للسفارة، والأرض موجودة حالياً وحولتها إسرائيل لحديقة رغم أن ملكيتها تعود لطهران.
وبالتالي، فإن الفارق بين نظام الشاه ونظام الخميني أو خامنئي من بعده منتف هنا، بل أقلها كان الشاه يتعامل مع إسرائيل بوجه مكشوف، في حين قادة إيران اليوم يتعاملون بالخفاء مع من ينصبونهم أعداء «أمريكا وإسرائيل» في حين يتعاملون بالكذب والتقية مع شعوبهم والعرب والمسلمين.
طبعاً من مازال يظن أن إيران صادقة فيما تدعيه من نصرتها للقضية الفلسطينية وقضايا الإسلام عليه أن يصحو من غفلته ويستوعب أن الخطر الإيراني بات - بلا مبالغة - ألعن من الخطر الإسرائيلي، فإن كان الأخير يطال بعدوانيته الشعب الفلسطيني، فالخطر الإيراني طال بأذرعه وطوابيره الخامسة وعملائه أغلب الدول العربية، بل «الوفاق» موجود بين أعداء العرب، وتذكروا فضيحة «إيران كونترا» خلال الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، حينما تكشفت فضيحة تزويد إسرائيل لإيران بصواريخ مضادة للدروع وفي إطار صفقة لها علاقة بإطلاق رهائن أمريكيين في طهران.