مشكلة جمعية الوفاق أنها تعتقد أنها العنصر الأساس في الساحة السياسية المحلية والطرف المعارض الوحيد الذي له شأن فيها وأنها الكل في الكل وأنها بسبب «تأثيرها الكبير وانتشارها وحجمها وقدرتها على قيادة الشارع وفرض رأيها وفلسفتها وبسبب علاقاتها الدولية الواسعة ومكانتها» يتم استهدافها من قبل الحكومة بغية تركيعها وإذلالها والحد من كل ذلك، لهذا لم يتردد نائب وفاقي سابق عن القول عبر تغريدة نشرها على حسابه في «تويتر» ضمن مجموعة من التغريدات المنفعلة بأن «هناك عملية استخباراتية من أجل تعقيد الحل السياسي وتأزيمه أكثر فأكثر لتوريط الوفاق»، مشيراً بذلك إلى ما يواجهه بعض القياديين في الوفاق من اتهامات بتورطهم في أعمال إرهابية أو جمع أموال وتوزيعها بشكل غير قانوني أو اتصالهم بجهات أجنبية، ما يؤكد اقتناع المنتمين إلى هذه الجمعية بأنها من القوة والانتشار ما يجعل الحكومة تضعها في «دماغها» دائماً وتنشغل بالتفكير ليلاً ونهاراً في كيفية التقليل من تأثيرها والحد من انتشارها وإضعافها أملاً في القضاء عليها!
ولكن لأن كل هذه الأمور غير صحيحة لذلك فإنه يصعب على الوفاق إقناع العالم بأنها مستهدفة وأنها الشغل الشاغل للحكومة، ذلك أن غيابها عن الساحة لا يعني أن مشكلات البحرين قد انتهت ولا يعني أن الحراك من أجل تحقيق مطالب المواطنين للارتقاء بحياتهم وتحسين معيشتهم قد انتهى، فالحراك مستمر بها ومن دونها، بل لعله يسهل عليه تحقيق الكثير من المطالب لو غابت بسبب تخبطها وتسليمها القيادة لآخرين رفعوا شعارات ثورية ولا يستندون لأي خبرة ولا «مريال» لهم في العمل السياسي.
لو كانت الوفاق مستهدفة من الحكومة لتم سحب الترخيص منها منذ زمن، فهي جمعية تعمل ضمن القانون بشكل رسمي وليست حزباً يعمل تحت الأرض ليتم استهدافه. هذا يعني أن الوفاق هي من قررت أن تضع نفسها في هذا الجو وقررت أن توهم نفسها بأنها مستهدفة لأنها قوية ولأنها رقم واحد، ولأنها ولأنها.....
اليوم لا قيمة كبيرة للوفاق في الساحة السياسية المحلية ليتم استهدافها لأنها باختصار لم تعد مؤثرة ولم يعد بيدها أي قرار، فالقرار والتأثير اليوم هو في يد ما يسمى بـ «ائتلاف شباب فبراير» الذي لا يعترف أساساً بالوفاق ولا يحسب لها أي حساب ويعرف تماماً أنها دون التأثير في الشارع، ويعرف أنها تهتم بنشر مثل تلك التصريحات تغريداً ولفظاً لتشعر نفسها بأنها لاتزال حية وفاعلة ومؤثرة.
هل يعقل وحال الوفاق هكذا أن تضيع الدولة وقتها وجهدها في «عملية استخباراتية» لتوريطها؟ العملية الاستخباراتية والجهود الكبيرة تبذل للتقليل من شأن جمعية سياسية مؤثرة في الشارع وتستطيع أن تقوده وأن تؤزم الوضع وتمنع الحلول التي لا توافق عليها، والوفاق ليست في هذا الوضع الذي يجعل الحكومة تقوم بهذا الأمر وإلا تكون قد ضيعت وقتها وجهدها في أمر لا يقدم ولا يؤخر.
للإنصاف يمكن القول إنه ربما كان للوفاق تأثير على الشارع والحراك في فترة سابقة لكنها اليوم لا تأثير لها ولم يعد لها تلك المكانة التي يوهم منتسبوها أنفسهم بأنها تعيشها وأنهم يعيشونها وتميزهم عن غيرهم، والدليل هو أنها لو سكتت يومين فقط لنسيها الناس جميعاً، والدليل أيضاً لو أنها دعت إلى عدم المشاركة في فعالية دعت إليها غيرها وخصوصاً «ائتلاف فبراير» لما استجاب لها أحد، والدليل أيضاً أنها لو دعت لفعالية لم يوافق عليها «ائتلاف فبراير» الذي سحب البساط من تحتها لما استجاب لها سوى عدد محدود.
هل يعقل بعد كل هذا الذي صارت فيه جمعية الوفاق أن تجند الدولة عناصرها وتوظف خبراتها وتضع الخطط للقيام بعملية استخباراتية لتوريطها؟!