وحوش ضارية، ديدنها "حق يراد به باطل"، أطلقها بعض أصحاب المنابر الدينية على هيئة كلمات، تارةً تندد وتهدد وتارة تتلون رياءً ونفاقاً لتدس السم في العسل المصفى، فسر أصحابها الصمت الرسمي حيالهم ضعفاً وقلة حيلة، فيما كان حلم المقتدر وصبره الطويل، لكن التمادي في تصعيد الوضع السياسي في البلد، وتفاقم المهددات الأمنية الخارجية، مستعينة بسكاكين غدر معقوفة من الداخل، أوجب وقف المهزلة، وإسدال الستار على منابر بثت الفتنة وأرست دعائم الإرهاب والأدلجة على مدى سنوات.
خيراً فعل وزير الداخلية البحرينية معالي الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، عندما أصدر قراراً بمنع العضوية في الجمعيات السياسية للخطباء على المنابر الدينية، الأمر الذي لطالما دعونا إليه في مراحل متقدمة من اشتعال الخطاب الديني واستغلاله من قبل بعض الأحزاب السياسية والمتطرفين، لاسيما في أتون ثورات "الربيع العربي" وما تولد عنها من شرخ للمجتمعات وانكشاف لحقائق كثير من الجماعات السياسية والإرهابية الملتحفة بعباءة الدين. وقد جاءت الدعوة لوقف تسييس الخطاب الديني بعدما أثبت إفراغه من مقاصده وغاياته، وأفرز تبعات وخيمة على المتلقين أيديولوجياً وكذلك سلوكياً.
في مقال مركز سابق عنوانه "فرس وحشي يعلو المنبر"، منشور في صحيفة "الوطن" البحرينية بتاريخ 18/8/2013، تناولت موضوع الخطاب الديني المسيس بزوايا وجوانب مختلفة، وأشرت فيه إلى أن الخطاب على منابر المساجد أصبح خطاباً ملتهباً، امتطى الكلمة فرساً وحشياً يغرز حوافره في بطون البشر، وأفئدة الأنظمة، وأكباد الحقائق، مستتراً بالدين في هجوم شرس أو خبث ناعم من أجل تحقيق مصالح دنيوية وسياسية. ولذلك انبثقت أهمية مراقبة الخطاب الديني وضبطه، وترك السياسة لأهلها وفي ميادينها المعروفة بعيداً عن دور العبادة، والتوجيه والإقناع زوراً باسم الدين. لا سيما وأن المواطن البحريني المخلص - وأتحدث عن الغالبية العظمى المسلمة وتنطبق المسألة نسبياً كذلك على معتنقي الأديان الأخرى من المواطنين - إنما هو مسلم أو مؤمن في بلد إسلامي، ولذلك فإنه يؤثر أن يخضع ما يستقبله من خطابات دينية لوصاية ورقابة دولة مسؤولة عن رعاية الدين وتبليغه، منزوعاً من الشبهات والبدع التي قد يتبناها الخطباء المنتمون لبعض الفرق والجماعات الدينية السياسية.
اختلاج النبض:
إن الدعوة لاستقلال الخطباء والنأي بهم عن المنظمات السياسية، لا يمثل دعوة علمانية لفصل الدين عن السياسة كما يفهم البعض، وإنما يكون تقنيناً لنشاط تلك المنابر وتنظيمها، بعدما تعرض له الدين من انتهاك لأغراض متفرقة. كل الشكر والتقدير لمعالي وزير الداخلية، لك مني التحية.