ليس قرار بدء عملية «عاصفة الحزم» لتحرير اليمن من قبضة إيران أصعب من قرار قيام اتحاد خليجي، هذا القرار الذي لا يحتاج إلا إلى تفعيل مجلس التعاون الخليجي الذي أنشئ في 1981، ومازال حتى اليوم شبه معطل، نعم معطل، إلا بعض من القرارات التي يتم اتخاذها تبعاً للظروف، والتي يستنكرها المجتمع الدولي أحياناً وتعتبر أنها ليست من اختصاصه، ومثال على ذلك دخول قوات «درع الجزيرة» البحرين أثناء المؤامرة الانقلابية الفاشلة، وذلك لأن المجتمع الدولي لم يعتاد مثل هذه القرارات، وإن كان تأسيس «درع الجزيرة» جاء من ضمن مشاريع مجلس التعاون الخليجي، وذلك لنقص هذا المجلس للأدوات الفعالة التي كان يجب أن تلحق به بعد تأسيسه مباشرة، وذلك كما فعل الاتحاد الأوروبي الذي استطاع أن يكون له كيان ليس مختصراً على دوله، بل أعطى نفسه صلاحية حتى شملت تدخل دوله تحت مظلة الاتحاد في شؤون كافة دول العالم، وذلك من أجل الحفاظ على مصالح دوله السياسية والاقتصادية، هذا الكيان الذي تم بلورته تحت منظمات وأجهزة إدارية منها مجلس الاتحاد الأوروبي، والمجلس الأوروبي، والمفوضية الأوروبية، والبرلمان الأوروبي، هذا الاتحاد شمل 28 دولة أوروبية مختلفة اللغة والثقافة والديانة ولا يربطها تاريخ مشترك ولا نسب ولا صهر، مقابل مجلس تعاون خليجي لـ 6 دول يربطها تاريخ ومصير مشترك ويلاحقها نفس العدو، دول خليجية تمتزج بعضها ببعض، أنساب ودماء ومصاهرة، إلا أنها عجزت حتى اليوم أن تكمل اتحادها، بالرغم من الأخطار التي تهددها ليس على حدودها بل صار عدوها من داخلها، ولكنها مازالت كل دولة على حدة.
لم تتعظ دول الخليج، بدءاً من غزو العراق للكويت، وقبلها الأعمال الإرهابية التي ضربت المملكة العربية السعودية ودولة الكويت من قبل خلايا «حزب الله» الإيراني، واكتشاف الخلايا الإيرانية من شبكات تجسس إلى اكتشاف مخازن أسلحة هائلة والتي عثر عليها في الكويت والبحرين، وبعدها المؤامرة الانقلابية الفاشلة التي مرت بها البحرين، إلا أن مجلس التعاون الخليجي لم يتبن أي قرارات حاسمة في تحديد مواقفه السياسية كدول موحدة في جميع القرارات السياسية والاقتصادية، بل صارت بعض من هذه الدول تراعي مصالحها الخاصة وكأنها ضمنت السلامة الأبدية، ولا تدري أن الزمن دوار، وقد يصيبها لا قدر الله أخطاراً لم تخطر على بالها، وقد تكون شديدة لن تستطيع الإفلات منها، وذلك عندما نأت بقراراتها المنفصلة أو المناقضة تماماً لقرارات باقي الدول الخليجية.
والمحزن أن شعوب الخليج تتوق لهذه الوحدة وتنتظرها منذ عقود، ذلك لأنها شعوب واعية تدرك مدى الأخطار التي تحيط بها، كما إن هذه الشعوب تدفع ثمن هذه المخاطر، بعد أن أصبحت مخاطر العدوان تواجهه في أحيائها ومؤسساتها ومدارس أبنائها ومساجدها وحتى في منتزهاتهم ومجمعاتهم التجارية، عدوان مدعوم من الخارج، في الوقت الذي لم يتخذ المجلس حتى اليوم قرارات تقطع يد هذا العدوان لا من الداخل ولا من الخارج، في الوقت الذي نرى بعض الدول الخليجية تدخل في تحالف دولي في محاربة إرهاب مثل إرهاب «داعش»، وتترك الإرهاب الصفوي الذي يهدد أمنها ونظام دولها، هذا الإرهاب الصفوي الذي استطاع أن يهزم دولة عظيمة مثل العراق عندما تحالف مع أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، وما يحدث اليوم من إرهاب وتهديد هو نفسه الذي أطاح بالعراق.
وها هي إيران دولة واحدة ليس لديها حبيب ولا صديق، ولكنها استطاعت أن تصنع تحالفات مع دول أوروبية وأفريقية كما استطاعت أن تعقد تحالف مع اليابان والصين وروسيا، وها هي تكلل تحالفاتها بنجاحها في ملفها النووي، واستطاعت أن ترغم أنف أمريكا، عندما صنعت لنفسها كياناً دون أن تلتفت لمجتمع دولي، كما تأخذ قرار خوض الحروب خارج حدودها حماية لمصالحها دون أن تستأذن مجلس أمن أو تنتظر موافقة عربية أو خليجية، بالعكس أصبحت تهدد مصالحهم، وتهدد باحتلالهم، وها هي الأخبار تشاع أمس، بأنها احتلت حقل الدرة، كما تعلن مواقفها صراحة تجاه الدول الخليجية، فكم من مرة هددت بضرب آبار النفط السعودية، وكم من المرات هددت باحتلال البحرين والكويت، حتى الأمس واليوم، مازالت تهدد، إلا أن مجلس التعاون الخليجي بدل أن يقطع علاقاته معها، صار يتمنى حسن الجوار وإجراء الحوار، وذلك عندما غاب الاتحاد الفعلي، واقتصر على مجلس تعاون خليجي دون أجهزة إدارية ولا منظمات حقوقية مشتركة مثله كمثل الاتحاد الأوروبي.
ونعود ونقول، لقد حملت السعودية نفسها كامل المسؤولية وبدأت بـ «عاصفة الحزم» وبرغم المشاركة العربية، إلا أنها تتحمل اليوم وحدها المسؤولية في مواجهة عدو مشترك، حملت لواء الدفاع عن باقي دول الخليج، وأن قرار بدء «عاصفة الحزم» ليس أصعب من قرار تفعيل مجلس التعاون الخليجي الذي أصبح خارج نطاق التغطية، عندما أصبح عاجزاً عن مواكبة التحديات والتحالفات بين دول العالم، التي صارت أغلبها تسير في ركب إيران، عندما عرفت من أين تمسك رقابهم، وتستطيع دول الخليج أن تفعل الشيء نفسه، وأكثر منه، فهي لديها الثروة ولديها الشعوب الموالية إليها طوعاً، وليس غصباً، كما إن الشعوب العربية والإسلامية قلوبها تهوي دول الخليج، وسترون كيف يتقاطر عليها أبناء الأمة ساعة الحرب لا قدر الله.