المتتبع للحركة التعليمية بالعالم المتقدم أو حتى المتوسط، يجد أن هنالك طفرة كبيرة للغاية في أدوات التعليم، سواء كانت للمتلقي/الطالب، أو للجهة التعيمية/المعلم. فاليوم هناك العديد من التطورات التقنية والفنية التي تسهل وتسارع بالعملية التعليمية نحو النضوج وباتجاه اختصر الكثير من المسافات بين الفرضيات والواقع، واستغلال العامل الزمني في تحضير الطالب المثالي ووضعه في دائرة الإهتمام الخاص.
«وداعاً للحقائب المدرسية»، هكذا عنونت الصحف السنغافورية والكورية صحفها الرئيسة في عام 2011، وذلك حين استبدلت كل من كوريا الجنوبية وسنغافورة آخر كتاب في أيدي الطلبة هناك بلوح رقمي متطور، إذ حلَّ بديلاً مثالياً وناجحاً عن الكتب الورقية التقليدية، وبهذا دخلت كلتا الدولتين ومن قبلهما الكثير من الدول المتقدمة عصر العلم الرقمي، مودعين الأوراق والأقلام، والأهم من كل ذلك»الحقيبة المدرسية» الثقيلة.
في البحرين وفي بعض دول الخليج العربي، تعالت الكثير من الأصوات التجارية ومعها كل الأصوات المهتمة بالعملية التعليمية على ضرورة أن يستخدم الطلبة «الحقيبة الذكية» بدل من استخدام الحقيبة العادية، وفي المقابل، ينصح أطباء العظام وغيرهم بأن يحمل الطالب/الطفل حقيبته المدرسية بطريقة خاصة ومحددة، حتى لا يتعرض لمضاعفات صحية قد تؤذي ظهره وعظامه «الطرية»!
ليس هذا بالأمر الشاذ أو الغريب في هذه القضية المضحكة، فمن وجهة نظرنا، يظل ما يؤذي العملية التعليمية برمتها هو إصرار الجهات المختصة بتلك العملية ومعهم كل الأطباء والمسؤولين من التربويين على سلامة الطفل الجسدية والعقلية في هذا العصر الرقمي، على استخدام الكتب المملة والثقيلة والمحشوة بالمعلومات التي لن يستفيد منها أي طالب بعد تخرجه إلا ما ندر، بدل طرح بدائل موجودة أصلاً في العديد من دول العالم، كالألواح الرقمية الذكية وغيرها، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على عدم معرفة القائمين على هذه العملية الأكثر تأثيراً في حياة الأجيال القادمة ما هي أهمية التكنولوجيا في العملية التعليمية.
المشكلة ليست في الحقيبة فقط، ولو كان كذلك لوطنَّا أطفالنا الطلبة على حملها لأجل بناء وطننا وانتهى الموضوع، لكن المشكلة هي في طبيعة العقلية التي تدير العملية التعليمية برمتها وعدم استجابتها لمتطلبات التطور في هذا المجال، والاقتصار على هو موجود، وما ورثناه من آبائنا السابقين. نكرر، فالمسألة ليست حقيبة تحني ظهر الطالب/الطفل، وإنما المسألة تتركز في عدم تتطور وسائل التعليم عندنا، وإنما الحقيبة الثقيلة في الوزن والدم هي عنوان يحاكي رغبتنا في البقاء خلف الأمم في مجال التعليم.
اليوم، لا تحتاج البحرين لزيارات ميدانية لخبراء في التعليم ربما يكلفون الدولة الكثير من خزانتها، بل كل ما نحتاجه هو أن يقوم طاقم وزراة التربية والتعليم عندنا وفي كل أنحاء الوطن العربي بزيارات ميدانية لكوريا واليابان وبعض الدول المتقدمة لمعرفة أين نحن وأين هم، والاستفادة من تجاربهم بشكل مباشر، إذ من المعيب أن يزور إعلامي كأحمد الشقيري اليابان لنقل تجربتهم في المجال التعليمي للوطن العربي، بينما المختصون في هذا المجال لا يريدون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والسفر، فقاموا بجلب خبراء من آخر العالم بملايين الدنانير، وفي المحصلة النهائية لهذا الضخ المالي، هو حقيبة مليئة بالكتب الثقيلة تستقر على ظهر طفل لا يستطيع حمل أصغر كتاب فيها!