كتبنا كثيراً في مقالات ذات صبغة إدارية بحتة في العمق والتحليل عن دور رأس الهرم في أي مؤسسة، أو عن شريحة المسؤولين باختلاف تصنيفاتهم ودرجاتهم، سواء وزراء أو وكلاء وغيرهم، وبينا كيف أنه حينما «تنحرف» بوصلة أي مركب، ولنشبه البوصلة هنا بالمسؤول الأول، كيف أن هذا المركب لا محالة سيغرق أو سيواجه «أضعف» عاصفة و»ستنهكه» أو تحطمه إرباً.
قلنا إن هناك صفات «كارثية» إن وجدت في المسؤول فإننا على أعتاب «كارثة إدارية» لا يقارعها إلا محاولة مسؤول «كارثي» آخر إحداث «كارثة إدارية» أخرى بدوي أعنف وبآثار مضاعفة.
هذه الصفات يمكن تلخيصها في التالي: الكبر، الغرور، حب السلطة، إغراء المنصب، المال، الصلاحيات المطلقة دون رقابة، ضعف المبادئ والقيم، موت الضمير، عدم الخوف من الله، العقد النفسية، عدم الثقة بالنفس، حب التسلط، حب خلق وصناعة الأتباع، بغض الناجحين، عرقلة طريق المتميزين، الكذب، الخداع، انعدام المروءة، إلى آخر سلسلة من الصفات التي «واحدة» منها أو بعض منها قد تجعل من المسؤول «مصيبة» حقيقية تمشي على الأرض، يتضرر منها أي قطاع وأي أفراد يعملون فيه، وفي نهاية الأمر تتضرر منه البلد، سمعة وهدر مالي و»فوضى» إدارية.
لكن قبل أيام كنت أفكر، ماذا إذا كان المسؤول لم «يبليه» الله بهذه الآفات، وبالتالي لم «نبتلى» نحن كمواطنين بـ»مصيبة إدارية» تترأس قطاعاً هاماً وحيوياً، أليس هذه الحالة مدعاة للتفاؤل والأمل هنا؟!
الإجابة بنعم، لكن رغم ذلك ستجد مشاكل هنا وهناك، بل في بعض الحالات تجد المسؤول «قمة» في الأخلاق والضمير والتسامح والطيبة وغيرها من الصفات الرائعة التي تتمناها في أي زوج يتقدم لكريمتك مثلاً، لكن رغم ذلك تجد مكان العمل مثل أعواد «الاسباجيتي»، بل ترى المصائب تزيد ولا تقل، فأين الخلل؟!
هنا نشير فوراً وبدون تفكير إلى «البطانة»، نشير لتلك الفئة التي يجب البحث فيها عن «عناصر سوء العمل»، عن العناصر التي هي «عصي» من خشب توضع في العجلات وتعرقل كل تقدم، عن تلك العناصر التي بعضها يتحول أمام المسؤول إلى «ملاك» أبيض شفاف، وربما لا يفوت فرض صلاة معه في المكتب أو حتى المسجد، لكنه يوسوس له ويصور له الأمور بأشنع الأساليب التي تفوق أساليب «إبليس» الرجيم نفسه.
الآن سيأتي شخص ويسأل، طيب مادامت المشكلة واضحة في البطانة، فالمسؤول هو من جاء بها، هو من عينها، هو من قربها، وعليه من نلوم هنا، البطانة أم المسؤول؟!
والإجابة تحمل عدة أوجه وجوانب، وليس فيها نسبة مطلقة في الصواب أو الخطأ، فقد يكون الجواب أن الثقة منحت لهم وفق اعتبارات عدة، لكنهم في عملهم لم يثبتوا أنهم أهل للثقة، أو أقلها على قدر الثقة الممنوحة. وقد تكون إجابة آخر تقول إن من اقترح البطانة عنصر يحسب أيضاً كبطانة، وأكملوا بعدها العملية. وإجابة ثالثة تقول إن الاختيار جاء صحيحاً، لكن النظرية الخاصة بي والتي كتبت عنها مرات وتقول «إذا أردت أن تعرف معدن أي مسؤول في البحرين، أجلسه على كرسي»، ما يعني أن هناك من يجلس على كرسي المسؤولية وهو أهل لها، يطوع الكرسي لما هو صحيح للعمل، وهناك من يحوله الكرسي إلى شخص آخر تماماً، فتسقط المبادئ ويعم الخراب والفساد. ولكن تعددت الأسباب والمصيبة واحدة، البطانة السيئة وتزايد عددها مؤشر سيء، يغرق أي مركب، ولو كان يقوده أمهر ربان يشق البحار.
لذا الحل بإبدال أي بطانة غير جديرة في أي موقع كان، في وزارة، في إدارة، في مجموعة عمل، في صداقة، وفي.. وفي.. وفي ..، ببطانة صالحة جديرة بالثقة قادرة على العمل المخلص والجاد.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}