لن أحلل ولن أبحث عن أسباب تغير الخطاب، ما يعنيني هو المضي قدماً والبناء على هذا التغيير والاستمرار والصمود فيه، كما لن أنساق إلى منزلق محاكم التفتيش لأحاكم النوايا، فلن نشق صدور الناس ونفتح قلوبهم، إنما هذه هي اللغة التي كتبت بها «الوسط» افتتاحيتها أمس، هي التي انتظرناها لسنوات طويلة، لغة صارمة في إدانة الإرهاب وتسمية الأشياء بمسمياتها، لغة لا تلون المصطلحات ولا تتلاعب بالألفاظ ولاتنصص التوصيفات، ولا تفتح أقواساً للتذاكي التفافاً وتهرباً من استحقاقات مبدئية ترضي فريقاً ولا تغضب الآخر.
هذا ما كنا بحاجته لسنوات، لغة تنقلنا من مرحلة المراهقة السياسية إلى مرحلة يقف فيها الخصوم السياسيون على أرضية وطن واحد، ولترتفع فيها درجة الخصومة لعنان السماء ما دام إطار الخصومة متفق عليه، لا بأس ولا خوف ولا ضرر، إن اختلف الخصوم على نهج إدارة الدولة لا على وجود الدولة من عدمه، فهي خصومة تنزل وتخضع للحق وتنحني وتتنحى جانباً إكراماً لأمن الوطن وسلامته، فلا تفرق حينها بين الافتتاحية التي تكتبها هذه الجريدة أو تلك المحسوبة على هذا الحزب أو ذاك على سلطة أو على معارضة، من هذه الجمعية أو تلك الوزارة حين يكون الوطن هو المستهدف، فأمس، اعتقدت أن من كتب افتتاحية الوسط هو رئيس تحرير «الوطن» لا رئيس تحرير «الوسط»، فهل كان ذلك مستحيلاً أو صعباً؟!
الآن، بعد أن اتفقنا جميعاً أن رجل الأمن حين يموت وهو يؤدي واجبه فهو شهيد بلا تنصيص وبلا تملص من استحقاق لقول كلمة الحق ودون أن ينسب هذا الوصف لوزارة الداخلية إنما لسياسة تتبناها الصحيفة ذاتها.. فنستطيع أن نقول إن ابناً ضالاً قد عاد للوطن وهو المطلوب إثباته فلذلك دلالات سياسية تعرف «الوسط» معناها جيداً.
نختلف على أداء الحكومة وعلى تشكيلها وعلى برامجها ومشروعها على ميزانيتها على إدارة مواردها ومصروفاتها ونختلف على توزيع الثروات وإدارتها ونختلف على معالجة ملفات الفساد ونختلف على مراحل تطوير العمل السياسية ونختلف على تشكيل الأحزاب وعلى نهجها، ولكن لنا جميعاً دستور واحد فقط، لا نختلف عليه، نحتكم له، ونرضخ لقوانينه، ولدينا أرض واحدة تجمعنا نحميها ونفديها بأرواحنا، ومن يمسها بسوء يعزل لا بالقانون فقط إنما يعزل سياسياً والأهم يعزل اجتماعياً، حينها فقط، ومن بعدها فقط تكون قاطرة الديمقراطية على سكتها الصحيحة وتنجو البحرين من مصير طال كل الدول من حولنا.
إن صمد هذا التغيير وتمسكنا بتلك القواسم المشتركة وانتصرنا للدستور وللقانون، فلا اعتداء على رجال أمن ولا تبرير للخروج عن القانون من أي كان ولا مكانة اجتماعية تجعل من أي بحريني أو مقيم على هذه الأرض فوق القانون، أياً كان رأينا في القانون، فلتعديله أطر وضوابط وأسس دستورية وإلى أن نغيره علينا جميعاً الالتزام به، فإن التزمت جميع جمعياتنا السياسية وصحفنا بهذه القواسم، فإن البحرين بخير.