ما يحدث في البحرين منذ حين هو الآتي؛ تعلن وزارة الداخلية في بيان مقتضب عن حدوث انفجار في منطقة ما. الأجهزة المعنية بها تستنفر بغية التوصل إلى الجناة سريعاً. يتم الإعلان عما توصلت إليه الداخلية في التو والحال، ويتم إحالة المتهمين إلى النيابة العامة. تسارع الجمعيات السياسية، وعلى الخصوص الوفاق ووعد، بإصدار بيانات تستنكر فيها ما حدث وتستغل الفرصة لتؤكد أن موقفها من العنف صادق ولتبرئ نفسها من التفجير الذي يكون قد أودى بحياة بعض عناصر الأمن وتسبب في جرح عدد آخر منهم ومن المواطنين الذين قادهم حظهم العاثر إلى التواجد في ذلك المكان في تلك اللحظة. الدول والحكومات تستنكر وترسل برقيات تعزية إلى قيادة البحرين والحكومة. المنظمات الحقوقية تصدر بيانات لا جديد فيها، ويبدو فيها التعاطف مع «المعارضة» واضحاً، وكذلك التشكيك في صحة تصريحات وزارة الداخلية. تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بالتغريدات المعبرة عن الأسى وتلك المشككة في المسألة برمتها، والتي يتفرغ أصحابها لتوجيه الاتهامات لوزارة الداخلية ومحاولة إقناع العالم بأن التفجير مفتعل أو أنه من صنع الأجهزة الأمنية لترمي به «المعارضة» البريئة منه.
ثم يستمر الحديث عن التفجير لعدة أيام قبل أن ينسى، ثم لتعود العملية ذاتها مع التفجير التالي، وهكذا. هذا بالضبط ما حدث منذ الإعلان عن الانفجار الذي حدث في قرية كرانة مساء الجمعة، وهو بالضبط ما حدث مع التفجيرات السابقة، وسيحدث مع التفجيرات اللاحقة.
في ظل وضع كهذا ينبري السؤال المستمر في مشاغبة المواطنين والمقيمين وكل محب للبحرين؛ إلى متى سيستمر هذا المشهد الغريب على هذه البلاد المسالمة وعلى هذا الشعب الطيب؟ من يقف وراء تلك التفجيرات؟ وهل يعقل أن تقوم وزارة الداخلية بتدبيرها وتضحي بعدد من عناصرها فقط لتتهم جهات معينة بممارسة العنف وتتهم إيران بأنها التي تقف وراء كل ما يحدث من أعمال عنف في البحرين؟
أما الجواب عن السؤال الأخير فسهل.. يسير ومنطقي، إذ لا يعقل أن تقوم وزارة الداخلية بهذا الأمر لأن بإمكانها أن توجه الاتهامات لـ «المعارضة» ولإيران بطرق لا تكلفها هذا الثمن وإلا تكون قد فقدت شيئاً من قواها العقلية، فطالما أن الادعاء سيتحقق بهذه الطريقة أو تلك فما الداعي لتحمل مثل هذه الخسارة؟ من هنا فإن كل قول تردده هذه الجهة أو تلك عن أن التفجير ليس إلا تمثيلية من إعداد وإخراج الداخلية لا قيمة له لأنه لا مقابل موضوعياً له عقلاً ومنطقاً، ولو كانت الداخلية تريد أن تتهم كل هذه الجهات بما يحلو لها من اتهامات لفعلت وببساطة ومن دون أن تدفع هذه الفاتورة. والأمر نفسه فيما يتعلق بتوجيه الاتهامات لإيران؛ لأن العالم كله يعرف أنها متورطة في دعمها للبعض الذي باع نفسه لها ويعرف أنها تقف وراء جل إن لم يكن كل عمليات العنف التي يتم تنفيذها هنا في هذه الأرض الطيبة. فالحكومة تمتلك ملفاً متكاملاً يحتوي على كل الأدلة التي تثبت تورط إيران في الأحداث، وسبق أن دعا وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفه نظيره الإيراني لزيارة البحرين لرؤية ذلك الملف بنفسه.
اليوم لم يعد للسؤال عمن يقف وراء هذه التفجيرات قيمة كبرى لأن كل الأوراق وخطط اللعب صارت مكشوفة. السؤال الذي ينبغي التفرغ للبحث عن إجابة له هو إلى متى سيستمر هذا الفعل القميء؟ وإلى متى ستظل البحرين تدفع فاتورة حماقة البعض وسوء تقديره وقراره بيع وطنه للأجنبي؟
لا أحد من المخلصين لهذا الوطن ومحبيه يتمنى أن يلحق تفجير كرانة تفجير آخر.. لكن هذا للأسف سيحدث.