على مدى السنوات الأربع والنيف الماضيات بذلت «المعارضة» بكل ألوانها كل ما تستطيع من جهد لتظفر بقرار دولي يسمح لمن تعتقد أنه يمكن أن يكون حكماً بينها وبين الدولة ورقيباً يلاحظ تصرفات الحكومة وطريقة تعاملها مع الناس ويرفع ما يشاء من تقارير إلى من يشاء من جهات ودول بالتواجد في البحرين أو التردد عليها بحرية، ولكن لأن هذا الأمر غير ممكن ومرفوض من أي دولة في العالم مهما صغر شأنها، لأنه يصنف في باب التدخل في الشؤون الداخلية، لذلك لم تتمكن من تحقيق مرادها، لكنها ظلت متعلقة بالأمل وصارت كلما حصل أمر أو حدث انفجار مهما كان بسيطاً عادت لتردد الدعوة نفسها.
لهذا لاحظ الجميع كيف أنه بعد وقت قصير جداً من الإعلان عن حدوث انفجار في قرية كرانة وأعلنت وزارة الداخلية عن وقوع شهيد وحدوث إصابات، سارع البعض في الداخل والخارج إلى وسائل التواصل الاجتماعي إلى ترديد عبارة «مطلوب فريق دولي يمتلك النزاهة والحيادية ويحوز على ثقة الشعب للتحقيق في حوادث التفجير»، ما يؤكد أن حصول مثل هذا الأمر غاية يسعى ذلك البعض إلى تحقيقها لأنها ستفتح الباب على مصراعيه لدخول من هب ودب إلى البحرين، ليصير طرفاً بشكل علني في المشكلة ويوفر الفرصة لمن يقف وراء ذلك البعض كي يطل برأسه بشكل مباشر.
ما يريد ذلك البعض الوصول إليه من مثل هذه الدعوات -إضافة إلى التشكيك في روايات الداخلية وكل ما يصدر عن الحكومة من أقوال واتهامها بالبعد عن النزاهة وافتقادها للحيادية وثقة الشعب- هو إيجاد طريقة ولو لعنصر واحد بالتردد على البحرين للقيام بدور الحكم بينه وبين الدولة.
أما ما يدفع ذلك البعض إلى مثل هذا الأمر فهو قلة خبرته وعدم وصوله إلى مرحلة النضج، لأنه منطقاً لا يمكن للدولة -أي دولة- أن تقبل بوجود حكم بينها وبين بعض مواطنيها أياً كانت الأسباب. يكفي لتأكيد هذا القول بأن الدولة التي يعتبرها ذلك البعض نموذجاً ومثالاً، وهي إيران، لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تقبل بدخول أي جهة أو شخص ليكون حكماً بينها وبين المعارضة فيها أو حتى بينها وبين من فرضت عليه نفسها وتستعمره، بل إن الملالي هناك لن يتأخروا عن إصدار ما يلزم من فتاوى بتحريم مثل هذه الدعوة وتعليق من يدعو بها على أعواد المشانق في شوارع طهران.
ما ينبغي أن ينتبه له ذلك البعض هو أن الدولة لا يمكن أن تدعي أموراً لم تحصل أو تنشر روايات تنقصها الدقة، خصوصاً في هذا العصر الممتلئ بالتكنولوجيا التي تتطور دائماً، كما إنه لا يمكنها ذلك لأن العالم كله يسمع ويرى ويلاحظ ويراقب ويتابع وينتقد، وهو إن جامل مرة أو مرر تفسيراً حكومياً مرة فالأكيد أنه لا يمكن أن يجامل ويمرر دائماً، عدا أن حبل الكذب قصير، ولو تبين للعالم أن وزارة الداخلية التي هي جزء من الحكومة نشرت روايات كاذبة في أمور تتعلق بالأمن العام فهذا يعني أنها تسببت في إحراج مملكة البحرين التي لن تكون بعد هذا محل ثقة، وهذا يضر بالدولة ولا يمكن لوزارة الداخلية وأي وزارة أو جهة حكومية أن تكون غافلة عنه.
هناك فكرة أفضل من إيجاد فريق دولي للتحقيق في حوادث التفجير وكل ما يحدث في البحرين من أمور ومشكلات، فالأفضل من كل هذا هو مراجعة ذلك البعض لنفسه وقراءة الواقع بشكل صحيح والعودة إلى رشده وصوابه والعمل على التهدئة بتخفيض سقف تطلعاته غير المنطقية والبعيدة عن الواقع والممكن والسير في الطريق المفضي إلى الباب الذي لا تغلقه الدولة أبداً.