نحن نردد ونقول دائماً في البحرين بأن ثروتنا الحقيقية هي الإنسان. المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله ركز في أساسياته على الإنسان وتطوير فكره وتعزيز شراكته في صنع القرار بما يجعله أداة بناء فاعلة في وطنه. رؤية مملكة البحرين الاقتصادية وعدت بنتائج طيبة في شأن تأهيل الإنسان البحريني وتأهيل الشباب ومنحهم فرصة قيادة الوطن للتقدم والنمو والازدهار. جهات رسمية أخرى ركزت في أنشطتها وفعالياتها على الشباب وبنائهم وتهيئة الأجواء لهم لخلق قادة للمستقبل.
كل هذه رؤى تعززها تحركات، ما يعني أن المتوقع نتائج مرضية تصب في خانة تحقيق أهداف هذه الرؤى.
لكن الأسئلة المهمة هنا هي؛ هل نجحنا في تحقيق كل ذلك؟! هل نجحنا في تطوير الكفاءات الشبابية وبناء قدرات الطاقات المميزة؟ وهل صنعنا نموذجاً مثالياً لقادة المستقبل؟ وأخيراً هل حولنا بيئة العمل البحرينية لبيئة يسودها النشاط والحماس والإبداع بالتالي الإنتاجية والنجاح؟!
كلها أسئلة مشروعة نطرحها هنا لسبب بسيط جداً، وهو سبب نراه يتكرر عبر نماذج مختلفة حينما نحاول «اختبار» تحقق الشعارات على أرض الواقع.
كتبنا هنا كثيراً في هذا الشأن، وقبل أسابيع كتبنا سلسلة مقالات معنية بالتطوير الإداري وصناعة القيادات الشابة وتصحيح أساليب تعاط إدارية كانت سبباً لهجرة العقول والطاقات لدينا، وبعضها كان سبباً في تحطيم الكفاءات وانتكاس حماس المميزين من الشباب وغيرهم ممن يرى فيهم بعض المسؤولين الممارسين لأساليب إدارية خاطئة بأنهم يشكلون تهديداً لهم لا مكسباً للوطن وحراكه النهضوي.
وللأسف فيما كتبناه لم نلمس تفاعلاً قوياً من المسؤولين بقدر ما لمسنا تفاعلاً مثيراً للاهتمام من قبل الناس وأغلبهم موظفون، تسود حديثهم نبرة الإحباط واليأس وكل يحكي قصته مع أنواع مختلفة من الممارسات الإدارية الخاطئة، والتي أراها شخصياً مؤشرات هامة تدفع لإعادة دراسة الأوضاع الإدارية في بعض القطاعات وتقييم بعض المسؤولين بشكل جدي وصارم، خاصة أولئك الذين يحولون قطاعات الدولة وكأنها أملاكهم الخاصة.
عموماً، الإيجابي في الموضوع التفاعل الذي تلقاه مثل هذه الشجون الوطنية التي نكتبها ونعبر عنها باسم المواطنين من قبل صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء حفظه الله، وهو الأمر الذي نعول عليه ونؤمن بأن رئيس الحكومة أحرص ما يكون على دعم الكفاءات الوطنية وتهيئة الأجواء المثالية للطاقات الشابة والمميزين ليبدعوا ويخدموا وطنهم العزيز. هذا الكلام تجسد بالأمس في اجتماع العمل حين نوه سموه إلى حرص الحكومة على تعظيم الاستفادة مما لدى البحرين من «قدرات وطنية تتسم بالكفاءة والتميز» في مختلف التخصصات، وذلك عن طريق فتح المجال لها لأن تشارك في نهضة الوطن في شتى القطاعات.
هذه قناعة سمو رئيس الوزراء والتي هي بحد ذاتها توجه إيجابي يفترض أن يتبناه كل وزير ومسؤول ويعمل وفقه، والذي معها يفترض أن يراجع كل مسؤول عاجز عن الإدارة الصحيحة وعاجز عن تأهيل البشر والطاقات لمراجعة حساباته وتصحيح مساره.
أما عن القدرات الوطنية والكفاءات التي لا نريد خسارتها بالتالي خسارة الوطن لها، فينبغي علينا البحث عنهم بدقة وجدية، واحتوائهم وتطويرهم والاستفادة منهم عبر تمكينهم ومنحهم المسؤوليات. وخير من يبحث عنهم ويقدمهم للحكومة والقيادة لن يكونوا سوى مسؤولين ذوي أمانة مهنية، مسؤولون قلوبهم على البلد ومخلصين له يهمهم صالحها، مسؤولون يؤمنون بأن استمرار نهضة البحرين لا يكون إلا باستمرار الأجيال وتعاقبها بشكل صحيح يفرض خلق وصناعة قادة المستقبل الذين يواصلون درب السابقين المميزين بنجاح ويضيفون عليه.